للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال العقلاء: هذا تلبيسٌ، فإنه إنما يرى خيال صورته، وهو عرض منطبع في الجسم الصقيل، وهو في جهةٍ منه، ولا يرى حقيقة صورته القائمة به.

والذين قالوا: يُرى من غير مقابلةٍ ولا مباينةٍ قالوا: مصحح الرؤية الوجود، وكل موجودٍ يصح أن يُرى. فالتزموا جواز رؤية الأصوات والروائح والعلوم والإرادات والمعاني كلها، وجواز أكلها وشربها وشمها ولمسها.

فهذا منتهى عقلهم الذي عارضوا به الكتاب والسُّنَّة، ثم قدَّموه عليهما. وتقرير هذه المسألة له موضعٌ آخر.

فصل

الطريق السادس والعشرون (١): أنه قد ثبت بالعقل والنقل والفطرة أن الله سبحانه سميعٌ بصيرٌ، وهو سبحانه يرى كل المرئيات، لا يخفى عليه منها شيءٌ. ورؤيته لخلقه تستلزم مباينته لهم ضرورةً ـ كما تقدم في الوجه الذي قبله ـ فذاك استدلالٌ بكونه مرئيًّا، وهذا استدلال بكونه رائيًا، ولا يُعقل واحدٌ من الأمرين إلَّا مع (٢) مباينته لخلقه. ولهذا لما علم منكرو العلو والفوقية أن هذا يلزمهم ولا بد، قالوا: لا يُرى بالأبصار، وإنما الحاصل في الآخرة مزيد علمٍ ومعرفةٍ به تُسمَّى رؤية.

وطرد الجهمية هذا في رؤيته لخلقه فقالوا: بصره ورؤيته هي علمه، لا (٣) أن هناك بصرًا حقيقةً ورؤية حقيقةً. وأمَّا مخانيثهم فتناقضوا فقالوا: بل


(١) «ح»: «السابع والعشرون». وهذا هو الوجه الثالث والسبعون بعد المائة.
(٢) «مع» ليس في «ح».
(٣) «ح»: «إلا». والمثبت هو الصواب.