للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإما دليل امتناع الاختصاص بغير مخصصٍ أو غير ذلك. فجميع هذه الشُّبه الباطلة تنفي كل معنًى حملتم عليه النصوص، ويلزمكم فيما أثبتموه نظير ما لزمكم فيما نفيتموه. وإذا كان الإلزام ثابتًا على التقديرين لم تستفيدوا بتأويل النصوص وحملها على خلاف حقائقها إلَّا تحريف الكلم عن مواضعه، والقول على الله بلا علم، والجناية على الكتاب والسُّنَّة. فلو أنكم تخلصتم بالتحريف ممَّا فررتم منه من التشبيه والتجسيم كنتم قد صنعتم شيئًا، ولكن أصابكم في ذلك ما أصاب القائل (١):

وَأَفْقَرَنِي فِيمَنْ أُحِبُّ وَمَا اسْتَغْنَى

فهذان وجهان يَعُمَّانِ كل ما ينفون من الصِّفات الإلهية ويتأولونه على غير تأويله من النصوص النَّبوية ويعتمدون عليه من الأقيسة العقلية.

الوجه الثالث والثلاثون بعد المائتين: أن لازم هذا القول بل حقيقته (٢) أن أسماء الربِّ تعالى إنما تُطلق عليه مجازًا لا حقيقة، فإنه إذا قام الدليل العقلي على انتفاء حقائقها صار إطلاقها بطريق المجاز والاستعارة لا بطريق [ق ١٢٩ أ] الحقيقة، فيكون إطلاقها على المخلوق بطريق الحقيقة، إذ لا يمكن أن يكون مجازًا في الشاهد والغائب، وقد نفيتم أن يكون حقيقةً في حقِّ الربِّ سبحانه، فتكون حقيقة في المخلوق مجازًا في الخالق، فيكون المخلوق أحسن حالًا فيها من الخالق، وتكون حُسنى في حقِّه دون حقِّ الربِّ


(١) عجز بيت للشيخ تقي الدِّين عبد الله بن أحمد بن تمام الحنبلي (ت ٧١٨ هـ)، نسبه له الكتبي في «فوات الوفيات» (٢/ ١٦٥). وصدر البيت: «لحا الله دهرًا راعني بفراقكم».
(٢) «ح»: «حقيقة».