للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهو أعلى إسنادًا من الرسول، وأقرب تلقيًا على قوله.

وطائفة من الفلاسفة تقول: «إن الفيلسوف أفضل من النبي وأكمل منه» بناءً على هذا الأصل الملعون، ومن لم يصل إلى هذا ـ الذي هو غاية تحقيقهم ـ من أهل التعطيل والتجهيم ومبتدعة المتصوفين فقد شاركهم في الأصل، وقاسمهم في الربح والثمرة، والله الموفق.

الوجه الثالث عشر بعد المائة: أن أقوال هؤلاء النُّفاة المعطلة متناقضةٌ مختلفةٌ، وذلك يدل على بطلانها وأنها ليست من عند الله. وما جاء به الرسول متسقٌ متفقٌ، يُصدِّق بعضه بعضًا، ويوافق بعضه بعضًا. وهذا يدل على أنه حقٌّ في نفسه، قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ اَلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اِللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨١].

وأنت إذا تأمَّلت مقالات القوم ومعقولاتهم وجدتها أعظم شيءٍ تناقضًا، ولا تجد أحدًا من فضلائهم ورؤسائهم أصلًا إلَّا وهو يقول الشيء ويقول ما يخالفه ويناقضه تارةً في المسألة الواحدة، وتارةً يقول القول ثم ينقضه في مسألة أخرى من ذلك الكتاب بعينه، وأمَّا قوله الشيء وقول نقيضه في الكتاب الآخر، فمن له فهمٌ واطلاعٌ على كتب القوم يعلم ذلك.

وأمَّا الجاهل المقلد فلا تعبأ به، ولا يسوءك سبُّه وتكفيره وتضليله، فإنه كنباح الكلب، فلا تجعل للكلب عندك قدرًا أن ترد عليه كلما نبح عليك، ودعه يفرح بنباحه، وافرح أنت بما فَضُلْتَ به عليه من العلم والإيمان والهُدى، واجعل الإعراض عنه من بعض شكر نعمة الله التي ساقها إليك وأنعم بها عليك.