للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكل فسادٍ في العالم عامًّا وخاصًّا فإنما سببه العدول عمَّا جاؤوا به ومخالفتهم. فإذا استقريت جميع الشرور التي في العالم جزئياتها وكلياتها وكل فتنةٍ وبليةٍ ورزيةٍ رأيت سببها معصيتهم. وكل خيرٍ ونعمةٍ في الدنيا والآخرة فسببه طاعتهم. واستقر هذا من زمن نوح إلى ساعتك التي أنت فيها. وما عُذبت به الأُمم من أنواع العذاب، وما جرى على هذه الأمة حتى ما أُصيب به المسلمون مع نبيهم يوم أُحدٍ، كان سببه معصية أمره. وللعاقل البصير عبرة في نفسه وأحواله خاصة.

فهذا شأن هذه العقول الزاكية الكاملة وشأن من خلقهم بمعقوله، وإذا كان هذا التفاوت بين عقولهم وعقول الناس في الأمور المتعلقة (١) بالإرادات والأعمال والحب والبغض، فما الظنُّ بالتفاوت الذي بين عقولهم وعقول الناس في العلوم والمعارف؟! فما الظنُّ بما يتعلق بمعرفة الربِّ تعالى وأسمائه وصفاته وشأنه؟!

ويا لله العجب! كيف يُقدَّم قول من يقول: قال لي عقلي عن ابن سينا والفارابي وأرسطاطاليس وأشباههم، أو عن أبي الهذيل العلَّاف والشحَّام والنظَّام وأضرابهم، أو عمَّن تلقى عن هؤلاء = على قول من يقول: قال لي جبريل عن ربِّ العالمين؟! فالرسول يقول: قال لي ربي، وهذا المعارض يقول: قال لي عقلي، أو قال أرسطاطاليس ونحوه!

الوجه الحادي والثمانون بعد المائة: لو عُورض ما جاء به [ق ١٠٩ ب] خاتم الرُّسل صلوات الله وسلامه عليه بموسى وعيسى كانت هذه المعارضة


(١) «ح»: «المعلقة».