للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الستون: أن هؤلاء المعارضين بين العقل والوحي لا يمكنهم إثبات الصَّانع ـ بل نفيه (١) بالكلية لازم قولهم لزومًا بيِّنًا ـ ولا أن العالم مخلوقٌ له، ولا يمكنهم إقامة الدليل على استحالة إلهين، ولا يمكنهم إقامة دليلٍ واحدٍ على استحالة كون الصَّانع جسمًا، ولا يمكنهم إثبات كونه عالمًا ولا قادرًا ولا ربًّا؛ فهم عاجزون عن إثبات [ق ٦٢ أ] وجود الصَّانع، فضلًا عن تنزيهه.

ونقتصر من هذه الجملة على بيان عجزهم عن إثبات وجوده سبحانه، فضلًا عن تنزيهه عن صفات كماله، فنقول: المُعارِضون بين الوحي والعقل في الأصل هم الزنادقة المنكرون للنبوات وحدوث العالم والمعاد، ووافقهم في هذا الأصل الجهمية والمعطلة لصفات الربِّ وأفعاله، والطَّائفتان لم تُثبت (٢) للعالم صانعًا البتةَ، فإن الصَّانع الذي أثبتوه وجوده مستحيلٌ، فضلًا عن كونه واجب الوجود قديمًا.

أمَّا زنادقة الفلاسفة فإنهم أثبتوا للعالم صانعًا لفظًا لا معنًى، ثم لبَّسوا على النَّاس وقالوا: إن العالم صُنْعُه وفِعْلُه وخَلْقُه. وهو في الحقيقة عندهم غير مصنوعٍ ولا مخلوقٍ ولا مفعولٍ، ولا يمكن على أصلهم أن يكون العالم مخلوقًا ولا مفعولًا. قال أبو حامد (٣): «وذلك لثلاثة أوجه: وجه في الفاعل، ووجه في الفعل، ووجه في نسبة مشتركة بين الفعل والفاعل.


(١) «ح»: «نعته». والمثبت من «م».
(٢) كذا في «ح»، «م» في موضع: «لم تثبتا».
(٣) «تهافت الفلاسفة» (ص ١٣٤).