للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إحداهما: إخوانهم المباحية (١) الذين خلعوا رِبْقَة الشريعة (٢) من أعناقهم ودانوا بالقدر.

والثَّانية: الذين عارضوا (٣) قضاءه وقدره بأمره، وقالوا: لا يمكن الجمع بينهما، فأبطلوا القدر بالأمر.

وأولئك أقعد بالميراث من هؤلاء. وقد ذكر سبحانه الأمثال العقلية التي عارض المشركون (٤) بها الوحي؛ لتكون عبرةً للمؤمنين، ومثلًا للمعارضين: {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اَللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: ٤٣].

الوجه الثَّامن والستون: أن معارضة الوحي بالعقل ميراث عن الشيخ أبي مُرَّةٍ (٥)؛ فهو أول من عارض السمع بالعقل وقدَّمه عليه، فإن الله سبحانه لمَّا أمره بالسجود لآدم عارض أمره بقياسٍ عقليٍّ مركبٍ من مقدمتين حمليتين (٦):


(١) المباحية: قوم يحتجون بالقدر على المعاصي، فيكفرون بالشرائع، ويستحلون المحرمات، وهم من شر الطوائف. «مجموع الفتاوى» (٨/ ٤٥٨، ١٩/ ١٤٩ - ١٥٠).
(٢) الربقة في الأصل: عروة في حبل تجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها، فاستعارها للشريعة، يعني: ما يشد به المسلم نفسه من عرى الإسلام، أي: حدوده وأحكامه وأوامره ونواهيه. «النهاية في غريب الحديث» (٢/ ١٩٠).
(٣) «ح»: «عرضوا».
(٤) «ح»: «المنزلون».
(٥) أبو مرة: أشهر كنى إبليس لعنه الله. «المرصع في الآباء والأمهات والأبناء» لابن الأثير (ص ٢٤٩، ٢٩١) «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (١/ ١٠٦).
(٦) تقدم (ص ٦١٦) معنى القياس الحملي.