للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالمدلول لم يلزم من ذلك تقديم الدليل عليه في كل شيءٍ. فإذا شهد النَّاس لرجلٍ بأنه خبيرٌ بالطب أو التقويم (١) أو العيافة (٢) دونهم، ثم تنازع الشهود والمشهود له في ذلك وجب تقديم قول المشهود له.

فلو قالوا (٣): نحن شهدنا لكم وزكَّيناكم، وبشهادتنا ثبتت أهليَّتُكم، فتقديم قولكم علينا والرجوع إليكم دوننا يقدح في الأصل الذي ثبت به قولكم.

قالوا لهم: أنتم شهدتم بما علمتم أنَّا أهلٌ لذلك دونكم، وأن أقوالنا فيه مقبولة دون أقوالكم. فلو قدَّمنا قولكم على أقوالنا فيما اختلفنا فيه لكان ذلك قدحًا في شهادتكم وعلمكم بأنَّا أعلم منكم.

وحينئذٍ فهذا وجهٌ ثاني عشر مستقلٌّ بكسر هذا الطَّاغوت: وهو أن تقديم العقل على الشرع يتضمن القدح في العقل والشرع؛ لأن العقل قد شهد للوحي بأنه أعلم منه، وأنه لا نسبة له إليه، وأن نسبة علومه ومعارفه إلى الوحي أقل من خردلة بالإضافة إلى جبل أو تلك التي (٤) تعلَقُ بالإصبع بالنسبة إلى البحر (٥)؛ فلو قدِّم حكم العقل عليه لكان ذلك قدحًا في شهادته،


(١) «درء التعارض»: «تقويم السلع».
(٢) «م»، «درء التعارض»: «القيافة». والقيافة أعم من العيافة، فالقيافة على قسمين: قيافة الأثر: ويقال لها العيافة، وهي تتبع آثار الأقدام والأخفاف والحوافر. وقيافة البشر: وهي الاستدلال بهيئات أعضاء الشخصين على المشاركة والاتحاد بينهما في النسب والولادة وفي سائر أحوالهما وأخلاقهما. «أبجد العلوم» (٢/ ٣٨٥، ٤٣٦).
(٣) «ح»: «قال». والمثبت من «م».
(٤) «التي» سقط من «ح».
(٥) روى البخاري (٤٧٢٦) عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الخضر عليه السلام قال لموسى عليه السلام: «إن لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه. فأخذ طائر بمنقاره من البحر، وقال: والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر».