للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أسباب الزَّندقة.

فإن قلت: فهُم لم يجعلوا كل دليلٍ عقليٍّ يفيد اليقين، بل ما كانت مقدماته يقينية وتأليفه صحيحًا، يوضحه:

الوجه الثَّامن عشر: أن قول القائل: الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين؛ إمَّا أن يُريد به نَفْيَ العموم، أو عمومَ النَّفي، فإن أراد نَفْيَ العموم لم يُفِدْه شيئًا، فإنَّ عاقلًا لا يدَّعي أن كلَّ دليلٍ لفظيٍّ يفيد اليقين حتى يَنصِبَ معه الخلاف ويحتجَّ عليه. وإن أراد به عموم النَّفي كان هذا مكابرةً للعيان، وبَهْتًا ومجاهرةً بالكذب [ب ٨١ أ] والباطل.

الوجه التَّاسع عشر: أنَّا نعلم بالاضطرار أن مصنِّفي العلوم على اختلاف أنواعها عَلِم النَّاس مرادهم من ألفاظهم علمًا يقينًا، وإنما يقع الشك في قليلٍ من كلامهم، ويَقِلُّ ذلك ويَكثُرُ بحسَب القابل، وقوة إدراكه، وجودة تصوُّره، وإِلْفه لكلامهم وغرائبه منه؛ ومعلوم قطعًا أنَّ عِلْمَ الرَّسول بما يقوله وحرصَه على إفهامه وتعليمه وشدَّة بيانه له، وحرصَ أُمَّته على فهمه= أعظمُ من حرص هؤلاء المصنِّفين ومَن يتعلم منهم، فإذا حصل لأولئك اليقين بمعرفة مراد أرباب التَّصانيف، فحصولُ اليقين لأهل العلم بكتاب الله وسُنَّة رسوله أولى وأحرى.

وليس الكلام في هذا المقام في تثبيت نبوته؛ بل الكلام مع مَن يُقرُّ بنبوته ويشك في معرفة مراده بألفاظه، فيقال: لا ريبَ عند كل مؤمنٍ بالله ورسوله أنه كان أعلم الخلق بما يُخبر به وما يأمر به، فهو أعلم الخلق بما أخبر به عن الله واليوم الآخر، وأعلمهم بدينه وشرعه الذي شرعه لعباده، وأنه كان أفصح