للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النحاة في وجه دلالتها مع اتفاقهم على المعنى:

كقوله: {وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ اَلْغَافِلِينَ} [يوسف: ٣] فالبصريون يجعلونها مخفَّفة من الثقيلة، واللام فارقة بين المخففة والنَّافية، والكوفيون يجعلونها نافية، واللام بمعنى إلَّا، وليس هذا نزاعًا في المعنى، وإن كان نزاعًا في وجه الدلالة عليه.

وكذلك قوله: {يُبَيِّنُ اُللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا} [النساء: ١٧٥] يُقدِّره البصريون: كراهة أن تَضِلُّوا، والكوفيون: لئلَّا تَضِلُّوا.

وكذلك اختلافهم في التنازع (١) وأمثال ذلك إنما هو نزاع في وجه دلالة اللفظ على ذلك المعنى، مع اتفاقهم على أن المعنى واحد، وهذا القَدْر لا يُخرِج اللفظ عن إفادته للسامع اليقين بمسمَّاه.

الوجه السَّادس والخمسون: أن يُقال: هذه الوجوه العشرة مدارها على حرفٍ واحدٍ، وهو أن الدليل اللفظي يحتمل أزيد من معنًى واحدٍ، فلا نقطع بإرادة المعنى الواحد. فهذه الوجوه العشرة مضمونها كلها احتمال اللفظ لمعنيينِ فصاعدًا حتى لا يُعرف عين مراد المتكلم.

فنقول: من المعلوم أن أهل اللغة لم يُسوِّغوا للمتكلم أن يتكلَّم بما يريد به خلاف ظاهره إلَّا مع قرينة تُبيِّن المراد، والمجاز إنما يدل مع القرينة، بخلاف الحقيقة فإنها تدلُّ على التجرُّد. وكذلك الحذف والإضمار لا يجوز


(١) التنازع: عبارة عن توجُّه عاملين إلى معمولٍ واحدٍ، نحو: ضربت وأكرمت زيدًا. فكل واحد من ضربت وأكرمت يطلب زيدًا بالمفعولية. «شرح ابن عقيل على الألفية» (٢/ ١٥٧).