للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلَّا إذا كان في الكلام ما يدل عليه. وكذلك التخصيص ليس لأحدٍ أن يدَّعيَه إلَّا مع قرينة تدل عليه، فلا يسوِّغ العقلاء لأحدٍ أن يقول: جاءني زيدٌ. وهو يريد ابنَ زيدٍ إلَّا مع قرينة، كما في قوله: {وَسْئَلِ اِلْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] «واسألِ العِير» عند من يقول إنه من هذا الباب (١)، فإنه يقول: القرية والعِير لا يُسألون، فعُلم أنه أراد أهلها. ومن جعل القرية اسمًا للسكان والمسكن، والعِيرَ اسمًا للركبان والمركوب، لم يحتجْ إلى هذا التقدير.

وإذا كانت هذه الأنواع لا تجوز مع تجرُّد الكلام عن القرائن المبينة للمراد، فحيث [ق ٣٩ ب] تجرَّدَت عَلِمْنا قطعًا أنه لم يُرد بها ذلك. وليس لقائل أن يقول: قد تكون القرائن موجودة ولا نعلم بها؛ لأن من القرائن ما يجب أن يكون لفظيًّا كمخصصات الأعداد وغيرها، ومنها ما يكون معنويًّا كالقرائن الحالية والعقلية، والنوعان لا بدَّ أن يكونا ظاهريْنِ للمخاطب ليفهم من تلك القرائن مراد المتكلم. فإذا تجرَّد الكلام عن القرائن (٢) فُهِمَ معناه المراد عند التجرُّد، وإذا اقترن بتلك القرائن فُهِمَ معناه المراد عند الاقتران، فلم يقع لبسٌ في الكلام المجرَّد، ولا في الكلام (٣) المقيَّد؛ إذ كل من النوعينِ مفهمٌ لمعناه المختصِّ به.

وقد اتفقت اللغة والشرع على أن اللفظ المجرد إنما يُراد به ما ظهر منه، وأن ما يُقدَّر من احتمال مجازٍ أو اشتراكٍ أو حذفٍ أو إضمارٍ ونحوه إنما يقع


(١) منهم: الأخفش في «معاني القرآن» (١/ ٣٤٢) والزجاج في «معاني القرآن» (١/ ٢١٣، ٢٤٧، ٤٩٣) والواحدي في «التفسير البسيط» (١٢/ ٢٠٨).
(٢) بعده في «ح»: «فإن». وهي زائدة.
(٣) «ح»: «الكلام في». والمثبت من «م».