للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: أنه لا سبيل إلى العلم بانتفاء جميع المعارض (١)، وما عُلِّق على الممتنع فهو ممتنعٌ.

الثَّاني: أن تصديقهم والإيمان بهم يكون موقوفًا على الشرط، والإيمان لا يصح تعليقه بالشرط، فلو قال: آمنت بالرَّسول إن أَذِنَ لي أبي، أو إن أعطيتموني كذا، أو إن جُعل لي الأمر من بعده ونحو ذلك لم يكن مؤمنًا بالاتفاق، كما قال مسيلمة: إن جعل محمدٌ الأمر لي من بعده آمنت به، فلم يَصِرْ مؤمنًا بذلك، وكان من أكفر الكفار، فهكذا إذا قال: آمنت بما أخبر به إلَّا أن يعارضه دليلٌ عقليٌّ. وهذا حقيقة قول هؤلاء، فإن هذا لم يؤمن به باتفاق الأُمة، وهذا كما أنه كُفرٌ في الشرع فهو فاسدٌ في العقل.

فالواجب على الخلق الإيمان بالرَّسول إيمانًا مطلقًا جازمًا غير معلَّقٍ على شرطٍ، ومن قال أُصَدِّق بما صدَّق عقلي به، وأردُّ ما ردَّه عقلي، أو عقل مَن هو أعقل مني أو مثلي= فهو كافرٌ باتفاق الأمة، فاسد العقل. وهو نظير طائفة من اليهود يقولون: نُصدِّق أنه رسول الله حقًّا، ولكن لم يُبعث إلينا، وإنما بُعث إلى العرب. فهذا في إنكار عموم رسالته في المرسل إليهم نظير إنكار عموم رسالته في المرسل به، فتأمَّلْه. وهؤلاء شرٌّ من الذين قال الله فيهم: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اُللَّهِ} [الأنعام: ١٢٥] فأولئك وقفوا الإيمان على أن يُؤتوا نظير ما جاءت به الرُّسل، وهؤلاء وقفوه على ما يناقض ما جاءت به الرُّسل.

الوجه السَّادس والأربعون: أن هذه المعارضة ميراث بالتعصيب مِن الذين ذمَّهم الله في كتابه بجدالهم في آياته بغير سلطانٍ وبغير علمٍ، وأخبر أن


(١) كذا، ولعلها: «المعارضات».