للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مصدر تلك المجادلة كِبْرٌ واستكبارٌ عن قبول الحق ممَّن يرون أنهم أعلم منهم، كما قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسْلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ اَلْعِلْمِ} [غافر: ٨٢]. وهذا شأن النفوس الجاهلة الظَّالمة إذا كان عندها شيءٌ (١) من علمٍ قد تميَّزت به عمَّن هو أجهل منها، وحصل لها به نوعُ رياسةٍ ومالٍ، فإذا جاءها من هو أعلم منها بحيث ينمحي رسوم علومها ومعارفها في علمه ومعرفته؛ عارضته بما عندها من العلم، وطعنت فيما عنده بأنواع المطاعن. قال تعالى: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اُللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ (٣٤) اِلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اِللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اَللَّهِ وَعِندَ اَلَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اُللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ مُّتَكَبِّرٍ جَبّارٍ} [غافر: ٣٤ - ٣٥].

وقال تعالى: {إِنَّ اَلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اِللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ} [غافر: ٥٦] والسلطان هو الكتاب المنزَّل من السماء. وقال تعالى: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ اِلْحَقَّ} [غافر: ٤] وقال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ اُلْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ اُلَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ اِلْحَقَّ وَاَتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُؤًا} [الكهف: ٥٥].

وهذا كثيرٌ في القرآن، يذم به سبحانه الذين عارضوا كتبه ورسله بما عندهم من الرَّأي والمعقول والبدع، والكلام الباطل مشتقٌّ من الكفر، فمَن عارض الوحي بآراء الرجال كان قوله مشتقًّا من أقوال هؤلاء الضُّلال. قال مالك: «أَوَكلما جاءنا رجلٌ أجدلُ من رجلٍ تركنا ما جاء به جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لجدله» (٢).


(١) «ح»: «شيئًا».
(٢) أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (٧٣١) وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (٢/ ٥٠٧) واللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» (٢٩٣) والهروي في «ذم الكلام» (٨٥٥، ٨٥٧).