للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهؤلاء المعطلة النُّفاة أبعد شيءٍ عن حقيقة ذكر الله، كما هم أبعد شيءٍ عن محبته، كما أقروا بذلك على أنفسهم من أنه لا يحبُّه أحدٌ ولا يحبُّ أحدًا، فهم لا يحبونه ولا يذكرونه. وإن ذكروه فإنما يذكرونه بالسلب والعدم الذي هو أنقص النقص، وإن أحبوه فإنما يحبون ثوابه المنفصل لا ذاته ولا صفاته. ولا يثبتون ألذ ما في الجنة وأطيب ما فيها وأعظم نعيمها، وهو النظر إلى وجهه وسماع كلامه. فهم عمدوا إلى لُبِّ الدِّين وقلبه، فنبذوه (١) وأبطلوه ووقفوا في طريق الرسل وعارضوهم في دعوتهم: وبيانه:

بالوجه الثاني والعشرين: وهو أن دعوة الرسل تدور على ثلاثة أمور:

تعريف الربِّ المدعو إليه بأسمائه وصفاته وأفعاله.

الأصل الثاني: معرفة الطريق الموصلة إليه، وهي ذكره وشكره وعبادته التي تجمع كمال حبِّه وكمال الذُّلِّ له.

الأصل الثالث: تعريفهم ما لهم بعد الوصول إليه في دار كرامته من النعيم الذي أفضله وأجلُّه رضاه عنهم وتَجلِّيه لهم، ورؤيتهم وجهه الأعلى، وسلامه عليهم، وتكليمه إياهم، ومحاضرتهم في مجالسهم.

فيثبت الأصل الأول بذكر أوصاف الربِّ تعالى ونعوت جلاله على التفصيل، وإثبات حقائق أسمائه على وجه التفصيل، ونفوا عنه ما يتضمن هذا الإثبات ويستلزمه، كالنسيان واللغوب والظلم والسِّنة والنوم والمثل والكفء (٢) والند والصاحبة والولد والسَّمي. والجهمية عكسوا الأمر،


(١) «ح»: «فانتبذوه». ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) «ح»: «الكفر».