للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استفادته للعلم بمراده أكمل وأتمَّ.

الوجه الحادي والخمسون: أن معرفة مراد المتكلم تعرف باطِّراد استعماله ذلك اللفظ في ذلك المعنى في مجاري كلامه ومخاطباته. فإذا أُلِفَ منه إطلاق ذلك اللفظ أو اطِّراده في استعماله في معنًى أُلِفَ منه أنه متى أَطلَقه أراد ذلك المعنى، وأُلِفَ منه تجريده في موارد استعماله من اقتران ما يدل على خلاف موضوعه؛ أفاد ذلك علمًا يقينًا لا ريبَ فيه بمراده.

الوجه الثَّاني والخمسون: أن من تأمّلَ عامة ألفاظ القرآن وجدها نصوصًا صريحةً دالةً على معناها دلالة لا تحتمل غيرها بوجهٍ من الوجوه. وهذا كأسماء الأنبياء وأسماء الأجناس وكأسماء الأعلام، وكأسمائه سبحانه التي أطلقها على نفسه، فإنها لا تصلح أن يكون المراد بها غيره البتَّةَ، ظاهرةً كانت أم مضمرة، وكأسماء يوم القيامة والجنة والنَّار وأسماء الأعداد، وذكر الثقلين وخطابهم وعامة ألفاظ القرآن. فهل يَفهَم أحدٌ قطُّ من قوله: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اِلنَّاسِ (١) مَلِكِ اِلنَّاسِ (٢) إِلَهِ اِلنَّاسِ} [النَّاس: ١ - ٣] غير الله سبحانه، ومن: {اِلْوَسْوَاسِ اِلْخَنَّاسِ} [النَّاس: ٤] غير الشيطان، ومن: {صُدُورِ اِلنَّاسِ} [الناس: ٥] غير بني آدم؟

وهل يفهم من قوله: {قُلْ هُوَ اَللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] غير ذات ربِّ العالمين، وأنه واحدٌ لا شريكَ له، وأنه لم يُولد (١) من غيره، ولم يلد منه غيره، وليس له من يماثله ويكافئه؟

وهل يفهم من: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: ١] إلى آخرها غير ما دلَّتْ عليه؟


(١) «ح»: «يلد». والمثبت هو الصواب.