ثم حُمل لفظ الشَّارع على المعنى الاصطلاحي لم يَجُزْ ذلك.
ومِن هذا لفظ التركيب، فإنه في لغة القرآن تركيب الشَّيء في غيره، كقوله:{فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ}[الانفطار: ٨]، ثم اصطلح عليه بعض النَّاس، وجعل كل ما تميَّز منه شيءٌ عن شيءٍ مركبًا، وإن كان حقيقته واحدة. فالعرب إنما تُطلِق لفظ التركيب والمركَّب في نحو تركيب الدَّواء، وتركيب الخشبة على الجدار، وتركيب المادة في صورة من الصُّوَر، ولا يُسمَّى الهواء مركبًا ولا النَّار ولا الماء ولا التراب، وإنما المركَّب عندهم ما رُكِّب فيه شيءٌ على شيءٍ. خالف المتأخرون [ب ٨٧ أ] الاصطلاح الحادث، ثم نَفَوْا مُسمَّاه الاصطلاحيَّ عن الرَّبِّ سبحانه، ورأوُا الأدلة اللفظية من القرآن والسُّنَّة لا تساعدهم على ذلك فقالوا: لا تفيد اليقين.
الوجه الثَّامن والعشرون: أن هؤلاء القائلين: «إن كلام الله ورسوله لا يُستفاد منه علمٌ ولا يقينٌ» إمَّا أن يريدوا (١) به نفي اليقين في باب الأسماء والصِّفات فقط دون باب المعاد والأمر والنَّهي، أو في باب الصِّفات وباب المعاد فقط دون الأمر، أو في الجميع.
فإن أراد الأول ـ وهو مُراد الجهمية ـ قيل له: فما جوابك للفلاسفة المنكرين لمعاد الأبدان؟ حيث احتجَجْت عليهم بأنَّا نعلم بالضَّرورة أن الرُّسل جاؤوا به، فردُّه عليهم تكذيبٌ لهم. فقالوا: الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين.