فإن قلت: الفرق بيننا وبينهم أن آيات الصِّفات وأخبارها قد عارضتها قواطع عقلية تنفيها، بخلاف نصوص المعاد.
قيل: أمَّا أهل القرآن والسُّنَّة فيجيبونك بأن تلك المعارضات هذيانات لا حقيقة لها، وشبهات خيالية:{كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسِبُهُ اُلظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اَللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاَللَّهُ سَرِيعُ اُلْحِسَابِ}[النور: ٣٨].
وأمَّا أشباهك من الفلاسفة فيقولون: ونصوص المعاد قد عارضها قواطعُ عقلية بنفيها.
فإن قلت: بل هذه شبهاتٌ باطلةٌ ومقدِّماتٌ كاذبةٌ.
قيل: صدقت، والشُّبهات التي تُعارِض نصوص الصِّفات أَبطَلُ، والمقدمات التي تخالفها أَكذَبُ بكثيرٍ، فإنَّ الشُّبهات العقلية المعارضة لنصوص الأنبياء ليس لها حدٌّ تقف عليه؛ بل قد عارض أرباب المعقول الفاسد جميع ما جاؤوا به من أوَّله إلى آخره بعقولهم، ومعارضة المشركين لما دعت إليه الرسل من التوحيد بشُبُهاتهم من جنس معارضة الدهرية لما أخبروا به من المعاد بشبهاتهم، فهَلُمُّوا نَضَعِ الشبهات جميعها في الميزان، ونحُكَّها على المحكِّ يتبين أنها زَغَلٌ وزَيْفٌ كلُّها.
وإن زعمت أنها لا تفيد اليقين لا في باب الخبر عن الله وصفاته، ولا في باب المعاد واليوم الآخر، ولا في باب الأمر والنهي، فقد انسلختَ من العقل والإيمان انسلاخَ الحيَّة من قشرها، وجاهرتَ بالقدح في النبوات والشرائع. وكنت في العقل الصحيح أشدَّ قدحًا، فإنه ليس في [ب ٨٧ ب] المعقول شيءٌ