للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السابقين ـ الذين هم أعلمُ الأُمة بالله وصفاته ـ واعتقاد أنهم كانوا أُميين بمنزلة الصالحين البُلْه، الذين لم يتبحروا في حقائق العلم بالله، ولم يتفطنوا لدقائق العلم الإلهي، وأن الخلف هم الفضلاء العلماء الذين حازوا قصَبَ السبقِ، واستولوا على الغاية، وظفروا من الغنيمة بما فات السابقين الأوَّلين.

فكيف يتوهَّم مَن له أدنى مُسكةٍ (١) من عقلٍ وإيمانٍ أن هؤلاء المتحيِّرين الذين كَثُرَ في باب العلم بالله اضطرابُهم، وغلظ عن معرفة الله حجابُهم، وأخبر الواقف على نهايات إقدامهم بما انتهى إليه من مَرَامهم وأنه الشك والحيرة حيث يقول (٢):

لَعَمْرِي لَقَدْ طُفْتُ (٣) المَعَاهِدَ كُلَّهَا ... وَسَيَّرْتُ طَرْفِي بَيْنَ تِلْكَ الْمَعَالِمِ

فَلَمْ أَرَ إِلَّا وَاضِعًا كَفَّ حَائِرٍ ... عَلَى ذَقَنٍ أَوْ قَارِعًا سِنَّ نَادِم

ويقول الآخر (٤):


(١) يقال: فيه مُسكة من خير بالضم: أي بقية. «الصحاح» (٤/ ١٦٠٨).
(٢) البيتان أنشدهما الشهرستاني في «نهاية الإقدام» (ص ٣) ولم ينسبهما لأحد. وقال ابن خلِّكان في «وفيات الأعيان» (٤/ ٢٧٤) في ترجمة الشهرستاني: «وذكر في أوَّل كتاب «نهاية الإقدام» بيتين وهما ـ فذكرهما ـ ولم يذكر لمن هذان البيتان. وقال غيره: هما لأبي بكر محمد بن باجه المعروف بابن الصائغ الأندلسي». وقال ابن خلكان في «وفيات الأعيان» (٢/ ١٦١) في ترجمة ابن سينا: «ويُنسب إليه البيتان اللذان ذكرهما الشهرستاني في أول كتاب «نهاية الإقدام».
(٣) زاد بعده في «ح»: «في تلك».
(٤) الأبيات أنشدها الفخر الرازي في «رسالة ذم لذات الدنيا» (ص ٢٦٢) لنفسه، ورواها الشاطبي في «الإفادات والإنشادات» (١/ ٨٤ - ٨٥) بإسناده إليه.