للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مجمعٍ وأفضله؛ فقال في خطبته بعرفات في حجة الوداع: «أَنْتُمْ مَسْؤُولُونَ عَنِّي فَمَاذَا (١) أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟» قالوا: نشهد أنك بلَّغت وأدَّيت ونصحت. فرفع إصبعه إلى السماء مستشهدًا بربه الذي فوق سماواته وقال: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ» (٢).

فلو لم يكن قد عرف المسلمون وتيقَّنوا ما أُرسِل به، [ق ٣٧ ب] وحصل لهم منه العلم اليقين لم يكن قد حصل منه البلاغ المبين، ولَمَا رفع الله عنه اللوم، ولَمَا شهد له أعقل الأُمة بأنه قد بلَّغ وبيَّن. وغاية ما عند النُّفاة أنه بلَّغهم ألفاظًا لا تفيدهم علمًا ولا يقينًا، وأَحالَهم في طلب العلم واليقين على عقولهم ونظرهم وأبحاثهم، لا على ما أُوحي إليه، وهذا معلوم البطلان بالضرورة.

الوجه الرَّابع والأربعون: أن عقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكمل عقول أهل الأرض على الإطلاق، فلو وُزن عقله بعقولهم لَرَجَحَ بها كلِّها. وقد أخبر سبحانه أنه قبل الوحي لم يكن يدري الإيمان، كما لم يكن يدري الكتاب؛ فقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا اَلْكِتَابُ وَلَا اَلْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: ٤٩] وقال تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوى (٥ ) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى} [الضحى: ٥ - ٦] وتفسير هذه الآية بالآية التي في آخر الشورى. فإذا كان أعقلُ خَلْق الله على الإطلاق إنما حصل له الهدى بالوحي، كما قال تعالى: {قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اِهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّيَ} [سبأ: ٥٠]. فكيف يحصل


(١) «ح»: «فإذا». والمثبت من «م».
(٢) أخرجه مسلم (١٢١٨) عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -.