للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعث الله به رسوله وأنزل به كتابه. وحينئذٍ فنقول في:

الوجه التاسع والثلاثين (١) بعد المائة: إنكم أسأتم القول في العقل غاية الإساءة، وقدحتم فيه أعظم القدح، فإن الله سبحانه ركب العقول (٢) في عباده ليعرفوا بها صدقه، وصدق رسله، ويعرفوه بها، ويعرفوا كماله، وصفاته وعظمته وجلاله، وربوبيته وتوحيده (٣)، وأنه الإله الحق، وما سواه باطل؛ فهذا هو الذي أعطاهم العقل لأجله بالذات والقصد الأول، وهداهم به إلى مصالح معاشهم التي تكون [ق ٩٦ أ] عونًا لهم على ما خُلقوا لأجله وأُعطوا العقول له. فأعظم ثمرة العقل معرفته (٤) لخالقه وفاطره، ومعرفة صفات كماله، ونعوت جلاله وأفعاله، وصدق رسله، والخضوع والذل والتعبد له. فإذا أقررتم على العقل بأنه لا يدرك ذلك ولا يُصدِّق به بل يعارضه ويُكذِّبه ويردُّه؛ فقد نسبتموه إلى أقبح الجهل، وأعظم شهادة الزُّور؛ وما كان هكذا فلا تُقبل له شهادةٌ في شيءٍ، فضلًا عن تقديم شهادته على ما شهد الله به لنفسه، وشهدت له به رسله من أولهم إلى آخرهم. وحينئذٍ فنقول في:

الوجه الأربعين بعد المائة: إن الشهادة تعتمد على الشاهد وصدقه، فإنها خبرٌ، ولا بد أن يكون المخبر به عالمًا صادقًا، وقد عُلم كذب العقل المعارض لما جاءت به الرسل قطعًا وجملةً، فإنه لا يجتمع صدقه وصدق الرُّسل، ولا صحة ما أخبر به وصحة ما أخبرت به الرُّسل؛ لاستحالة الجمع


(١) «ح»: «والثلاثون».
(٢) «ح»: «المعقول».
(٣) «ح»: «وتوحيدهم».
(٤) «ح»: «معرفة».