إلى كون الرب قائمًا بنفسه بالمعنى المعقول، وقال: لا نُسلِّم أنه قائمٌ بنفسه إلَّا بمعنى أنه غنيٌّ عن المحل، فجعل قيامه بنفسه وصفًا عدميًّا لا ثبوتيًّا، وهذا لازم لسائر المعطلة النُّفاة لعلوه، ومن المعلوم أن كون الشيء قائمًا بنفسه أبلغ من كونه قائمًا بغيره. وإذا كان قيام العرض بغيره يمتنع أن يكون عدميًّا فقيام الشيء بنفسه أحق ألَّا يكون أمرًا عدميًّا بل وجوديًّا. وإذا كان قيام المخلوق بنفسه صفة كمالٍ، وهو مفتقر بالذات إلى غيره، فقيام الغني بذاته بنفسه أحق وأولى.
فصل
الطريق الثاني والعشرون (١): وهو أن القيام بالنفس صفة كمالٍ، فالقائم بنفسه أكمل ممَّن لا يقوم بنفسه، ومن كان غناه من لوازم ذاته فقيامه بنفسه من لوازم ذاته. وهذه حقيقة قيوميته سبحانه، وهو الحي القيوم، فالقيوم: القائم بنفسه، المقيم لغيره. فمن أنكر قيامه بنفسه بالمعنى المعقول فقد أنكر قيوميته، وأثبت له قيامًا بالنفس يشاركه فيه العدم المحض، بل جعل قيوميته أمرًا عدميًّا لا وصفًا ثبوتيًّا، وهي عدم الحاجة إلى المحل، ومعلوم أن العدم لا يحتاج إلى محل.
وأيضًا فإنه يقال له: ما تعني بعدم الحاجة إلى المحل؟ أتعني به الأمر المعقول من قيام الشيء بنفسه الذي يفارق به العرض القائم بغيره، أم تعني به أمرًا آخر؟ فإن عنيت الأول فهو المعنى المعقول والدليل قائمٌ، والإلزام صحيحٌ. وإن عنيت به أمرًا آخر فإمَّا أن يكون وجوديًّا أو عدميًّا، فإن كان عدميًّا فالعدم لا شيء كاسمه، فتعود قيوميته تعالى إلى لا شيء. وإن عنيت
(١) «ح»: «الثالث والعشرون». وهذا هو الوجه التاسع والستون بعد المائة.