للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعقل إذا صَدَّقَ السمع في كل ما يُخبر به، ثم قال: إنه أخبر بخلاف الحق، قد شهد للسمع بأنه يجب قبول قوله، وشهد له بأنه لا يجوز قبول قوله، وشهد له بأن ما أخبر به حقٌّ، وشهد بأن ما أخبر به ليس بحقٍّ. وهذا قدحٌ في شهادته مطلقًا وفي تزكيته، ولا تقبل شهادته الأولى ولا الثَّانية. يوضحه:

الوجه الحادي والثلاثون: أن الآيات والبراهين اليقينية والأدلة القطعية قد دلت على صدق الرُّسل، وأنهم لا يُخبرون عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه إلَّا بالحق المحض، فهم صادقون فيما يبلِّغونه عن الله في الطلب والخبر، وهذا أول درجات الإيمان. فمتى (١) علم المؤمن بالرَّسول أنه أخبر بشيءٍ من ذلك جَزَمَ جزمًا لا يحتمل النقيض (٢) أنه حقٌّ، وأنه لا يجوز أن يكون في الباطن بخلاف ما أخبر به، وأنه يمتنع أن يعارضه دليلٌ قطعيٌّ لا عقلي ولا سمعي، فإن كل ما يُظنُّ أنه يعارضه من ذلك فهي حُججٌ داحضةٌ، وشُبهٌ فاسدةٌ من جنس شُبه السفسطة والقرمطة.

وإذ كان العقل العالم بصدق الرَّسول قد شهد له بذلك، وأنه ممتنعٌ أن يعارض خبرَه دليلٌ صحيحٌ، كان هذا العقل شاهدًا بأن كل ما عارض ما أخبر به الرَّسول فهو باطلٌ، فيكون هذا العقل الصحيح والسمع قد شَهِدَا ببطلان العقل المخالف للسمع.

الوجه الثَّاني والثلاثون: أن الشُّبهات القادحة في نبوات الأنبياء ووجود الربِّ ومعاد الأبدان التي يُسميها أصحابها حُججًا عقلية هي كلها معارضة للنقل، وهي أقوى من الشُّبه التي يدَّعي النُّفاة للصفات أنها معقولات خالفت


(١) «ح»: «فمن».
(٢) «ح»: «النقيضين».