للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالرُّسل إنما خاصموا قومهم بالوحي، وإليه حاكموهم، به كانت لهم عليهم الحُجة البالغة.

وكيف يُعارض مَن يقول: قال لي ربي كذا وكذا، بقول مَن يقول: قال لي عقلي أو قلبي أو قال فلان؟ فهذا هو المخصوم، الداحضة حُجته في الدنيا والآخرة، الذي لا يمكنه تنفيذ ضلاله وباطله إلَّا بالعقوبة والتهديد والوعيد، أو بالرغبة العاجلة في الدنيا وزخرفها،؛ كما فعل المنافقون بنو عبيدٍ (١)، حين أظهروا دعوتهم، فإنهم استولوا على النفوس الصغيرة الجاهلة المُبطِلة بالرغبة والرهبة العاجلة مع نوع شُبهةٍ، وإذا انضاف الهوى إلى الشُّبهة ترحَّلَ العقلُ والإيمان، وتمكن الهوى والشيطان، و «النفس مُوكَلة بحب العاجل» (٢) بدون شبهة تدعوها إليه، فكيف إذا قويت الشبهة وأظلم ليلها، وغابت شمس الهُدى والإيمان، وحِيلَ بين القلوب وبين حقائق القرآن بتلك الطواغيت التي عزلوه بها عن إفادة الإيقان. يوضحه:

الوجه الثالث والتسعون بعد المائة: أن هؤلاء النُّفاةَ المعطِّلة إذا غُلبوا مع


(١) قال شيخ الإسلام: «كانوا يقولون إنهم فاطميون، وبنوا القاهرة، وبقوا ملوكًا يدَّعون أنهم علويون نحو مائتي سنة، وغلبوا على نصف مملكة الإسلام حتى غلبوا في بعض الأوقات على بغداد، وكانوا كما قال فيهم أبو حامد الغزالي: «ظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر المحض». وقد صنَّف القاضي أبو بكر بن الطيب كتابه الذي سمَّاه «كشف الأسرار وهتك الأستار» في كشف أحوالهم، وكذلك ما شاء الله من علماء المسلمين». «مجموع الفتاوى» (٢٧/ ١٧٤).
(٢) من الأمثال: «النفس مولعة بحب العاجل». وهو عجز بيت لجرير. ينظر «فصل المقال» للبكري (ص ٣٤٦) و «مجمع الأمثال» للميداني (٢/ ٣٣٣) و «ديوان جرير» (٢/ ٧٣٧).