للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمقصود أن الأقسام الثلاثة التي تضمنها القرآن وهي: الأعمُّ والعامُّ والأخصُّ، كل منها يُفِيدُ العلم بمدلوله، ولا يتوقَّف فَهْم المراد منه على العلم بانتفاء المخصص والإضمار والحذف والمجاز؛ فإن ذلك يُبطِل أحكام تلك الأقسام العشرة التي اشتمل عليها القرآن، وتَحُولُ بين الإنسان وبين فائدتها، مع كونها أهمَّ الأمور، والعنايةُ الإلهية بها أشدُّ، وبيانُها واقعٌ موقع الضرورة. فلو صحَّ قول القائل: إن الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين، لم يحصل لنا [ب ٩١ أ] اليقين من القرآن في شيءٍ من تلك الأقسام العشرة البتَّةَ، وهذا مِن أَبْطَلِ الباطل وأَبْيَنِ الكذب.

الوجه الرَّابع والثلاثون: أنك تجد عند كثيرٍ من المعروفين بالتفسير مِن ردِّ كثيرٍ من ألفاظ القرآن عن العموم إلى الخصوص نظيرَ ما تجده من ذلك عند أرباب التأويلات المستنكرة. ومتى تأمَّلْت الحال فيما سوَّغوه من ذلك وجدتها عائدة من الضرر على الدِّين بأعظم ممَّا عاد من ضرر كثيرٍ من التأويلات. وذلك لأنهم بالقصد إلى ذلك فتحوا لأرباب التأويلات الباطلة السبيل إلى التهافُت فيها، فعَظُمَتْ بذلك الجناية من هؤلاء وهؤلاء على الدِّين وأهله.

وتجد الأسباب الدَّاعية للطائفتين قصدَ الإغراب على النَّاس في وجوه التفسير والتأويل، وادعاءَهم أن عندهم منها نوادر لا توجد عند عامة النَّاس؛ لعِلْمِهم أن الأمر الظَّاهر المعلوم يشترك النَّاس في معرفته فلا مزيَّةَ فيه، والشيءُ النَّادرُ المستظرَف يَحُلُّ مَحَلَّ الإعجاب، وتتحرَّك الهِمَم لسماعه واستفادته؛ لِمَا جُبل النَّاس عليه من إيثار المستظرَفات والغرائب. وهذا من أكثر أسباب الأكاذيب في المنقولات، والتحريف لمعانيها، ونِحْلَتها معانيَ