للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قاله، ولكن لحُسن (١) ظنِّه به يتوقف في مخالفته، وينسب التقصير إلى فهمه والنقص إلى عقله؛ لعظمة أرسطو في نفسه، ولعلمه بأنه أعقل منه.

وهكذا شأن جميع أرباب المقالات والمذاهب، يرى أحدهم في كلام متبوعه ومن يُقلِّده ما هو باطلٌ، وهو يتوقف في ردِّ ذلك لاعتقاده أن إمامه وشيخه أكمل منه علمًا، وأوفر عقلًا. هذا مع علمه وعلم العقلاء أن متبوعه وشيخه ليس بمعصومٍ من الخطأ.

فهلَّا سلكوا هذا المسلك مع نبيهم ورسولهم، المضمون له العصمة، المعلوم صِدْقُه في كل ما يُخبر به! وهلَّا قالوا: عقله أوفر من عقولنا، وعلمه أصحُّ من علومنا، فنحن ننكر (٢) معقولًا يخالفه، ونردُّه ولا نقبله، كما فعلوه مع شيوخهم ومتبوعيهم! ولكن {مَن يُرِدِ اِللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اَللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ اَلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اِللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي اِلدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي اِلْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: ٤٣].

الوجه الرَّابع والعشرون: أن كلَّ مَن أَعرَضَ عن السمع لظنِّه أن العقل يخالفه إمَّا بكون (٣) أدلته لا تُفيد اليقين، أو لأنه خاطب الخلق خطابًا جمهوريًّا تخييليًّا، لا خطابًا برهانيًّا؛ تجد بينهم من النِّزاع والتفرُّق والشهادة مِن بعضهم على بعضٍ بالضلالة بحسَب إعراضهم عن السمع، وكل مَن كان عنه أَبعَدَ كان قوله أَفسَدَ، واختلاف طائفته أشد.


(١) «ح»: «يحسن». والمثبت من «درء التعارض» (١/ ١٥١).
(٢) «ح»: «نتنكل». والمثبت هو الصواب.
(٣) «ح»: «إذ يكون». تحريف.