ومن وقف على أصول هؤلاء المعارضين ومصدرها تبيَّن له أنها نشأت من أصلين: من كِبْرٍ عن اتباع الحق، وهوًى مُعْمٍ للبصيرة، وصادمته شُبهات كالليل المظلم، فكيف لا يُعارِض مَن هذا وَصْفُه خبرَ الأنبياء بعقله وعقل من يُحسن به الظن. ثم دخلت تلك الشُّبهات في قلوب قومٍ لهم دينٌ، وعندهم إيمانٌ وخيرٌ، فعجزوا عن دفعها فاتخذوها دِينًا، وظنوها تحقيقًا لِما بعث الله به رسوله، فحاربوا عليها، واستحلوا ممَّن خالفهم فيها ما حرَّمه الله ورسوله، وهم بين جاهلٍ مقلدٍ [ق ٥٤ ب] ومجتهدٍ مخطئٍ حَسَن القصد، وظالمٍ معتدٍ متعصِّبٍ، والقيامة موعد الجميع، والأمر يومئذٍ لله.
الوجه السَّابع والأربعون: أن دلالة السمع على مدلوله متفَقٌ عليها بين العقلاء، وإن اختلفوا في جهتها هل هي قطعية أو ظنية، وهل أرادت الرُّسل إفهام مدلولها واعتقاد ثبوته (١)، أم أرادت إفهام غيره وتأويل تلك الأدلة وصَرْفَها عن ظاهرها؟! فلا نزاع بين العقلاء في دلالتها على مدلولها. ثم قال أتباع الرُّسل: مدلولها ثابتٌ في نفس الأمر وفي الإرادة. وقالت النُّفاة أصحاب التأويل: مدلولها منتفٍ في نفس الأمر وفي الإرادة. وقال أصحاب التخييل: مدلولها ثابتٌ في الإرادة منتفٍ في نفس الأمر.
وأمَّا دلالة ما عارضها من العقليات على مدلوله فلم يتفق أربابها على دليلٍ واحدٍ منها. بل كل طائفةٍ منهم تقول في أدلة خصومها: إن العقل يدل على فسادها، لا على صحتها. وأهل السمع مع كل طائفة تخالفه في دلالة