للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» (١).

يوضحه:

الوجه السابع: أنه سبحانه إذا كان يحب بعضَ ما خَلَقه، ويرضى عنه ويفرح به لما أعطاه من صفات الكمال؛ فمحبته لنفسه ورضاه عن نفسه أولى وأحرى وأعظمُ من محبته لمخلوقه. وأنه إذا أحب أهل العلم وأهل الرحمة، ويحب المحسنين، ويحب الصابرين، ويحب الشاكرين، ويُثنِي عليهم، وهو الذي أعطاهم هذه الصِّفات وأحبَّهم لأجلها؛ فما الظن بمحبته لنفسه وثنائه عليها؟ ومن المعلوم أن محبته لهم وثناءه عليهم تبعٌ لمحبته لنفسه وثنائه على نفسه.

الوجه الثامن: أن الجهمي أَبطلَ هذا بقوله: إن اللذة إدراك الملائم، فيلزم أن يقال: ذات الله ملائمة لذاته، وذلك غير معقول؛ لأن الملاءمة لا تتقرر إلَّا بين شيئين. وهذا الذي قرَّره باطلٌ من وجوهٍ:

أحدها: أن اللذة ليست نفس إدراك الملائم كما زعم، بل هي حالة تنشأ عن الإدراك، فالإدراك سببُها لا نفسها. فهاهنا ثلاثة أشياء: ملائم، وإدراكه، وما ينشأ عن الإدراك من الالتذاذ والفرح والسرور. وكذلك الألم، ليس هو نفس إدراك المنافي، بل حالة تنشأ عن إدراكه. وعلى هذا فإدراك الذات: ملائمٌ. والفرح والرضى ـ الذي سميته لذةً ـ مترتب على إدراك الذات، وهذا أمر معقولٌ لكل عاقلٍ. فإن المخلوق يدرك من ذاته كمالًا يلتذُّ بإدراكه ويُسرُّ ويفرح به، مع كون ذلك الكمال ناقصًا بين عدمين، وهو من غيره ليس منه،


(١) أخرجه مسلم في «صحيحه»، وقد تقدم (ص ٦٢٠) تخريجه.