للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اِلْحَيَاةِ اِلدُّنْيا وَفِي اِلْآخِرَةِ} [يونس: ٦٤] قال: «هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ». فجعل حمد الناس له في اليقظة والرُّؤيا الصالحة في المنام بشارةً له في الدنيا. والبشارة نوع من الخبر، وهو [ق ١٢٦ ب] الخبر بما يَسُرُّ، فالحمد هو الخبر بما يَسُرُّ المحمود ويُفرحه، فإنكار فرحه ولوازم فرحه إنكار للحمد في الحقيقة.

وفي «الصحيحين» (١) عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لمَّا بعثه ومعاذًا إلى اليمن قال لهما: «بَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَيَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا». وعند مسلم (٢): كان إذا بعث أحدًا من الصحابة قال: «بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا». وذلك أن الكلام نوعان إنشاءٌ وإخبارٌ، فأمرهم في الإخبار أن يبشروا ولا يُنفروا، وفي الإنشاء أن ييسروا ولا يُعسروا. فمن جعل المحمود والممدوح يُحمد ويُمدح بما لا يُحبُّه ولا يفرح به فقد عطل حقيقة حمده ومدحه التي تعطيلها تعطيل لحقيقة الدِّين. وممَّا يوضح ذلك:

الوجه الرابع والعشرون: وهو أن الحُسن والقُبح سواء عُرف بالشرع أو بالعقل إنما يعود إلى الملائم والمنافي، والملائم يعود إلى الفرح ولوازمه، والمنافي يعود إلى الغضب ولوازمه.

والمثبتون للحُسن والقُبح العقليين رأوا ما يعلمه العبد بضرورته وفطرته من حُسن بعض الأعمال وقُبح بعضها، وأن ذلك من لوازم الفطرة فأثبتوه، ولكن أخطؤوا في موضعين:


(١) البخاري (٣٠٣٨) ومسلم (١٧٣٣).
(٢) (١٧٣٢).