للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى العلم بانتفائه؛ إذ غاية ما يقدر بعد البحث والطلب التَّام عدم العلم بها، ولا يلزم من عدم العلم عدم المعلوم، فلا سبيل لنا إلى العلم بمراد الرَّسول البتَّةَ، وطلبت نفوسهم ما يحصل له به العلم، فعادوا إلى العقول، فوجدوها قد تصادمت فيما تقضي به من جائزٍ على الله وواجبٍ ومستحيلٍ أعظمَ تصادُم، فخرجوا عن السَّمع الصَّحيح، ولم يظفروا بدلالة العقل الصريح، ففاتهم العقل والسَّمع جميعًا.

الوجه الثَّالث والعشرون: أن جميع ما ذكروه من الوجوه العشرة يرجع إلى حرفٍ واحدٍ، وهو احتمال اللفظ لمعنًى آخر غير ما يظهر من الكلام، فإنه لا يُنازِع عاقلٌ أن غالب ألفاظ النُّصوص لها ظواهر هي موضوعةٌ لها ومفهومةٌ عند الإطلاق منها، لكن النِّزاع أن اعتقاد ذلك المعنى يقينيٌّ، لا يُحتمل غيرُه، أو ظنِّيٌّ يُحتمل غيرُه؛ فالمدار كلُّه على احتمال إرادته - صلى الله عليه وسلم - معنًى آخر غير الظَّاهر، وعدم ذلك الاحتمال.

ومعلوم أن الطُّرق التي يُعلم بها انتفاء إرادته معنى يناقض ذلك المعنى طُرقٌ كثيرةٌ لا يَحتاج شيءٌ منها إلى ما ذكروه، بل قد يعلم السَّامع انتفاءَ معنًى يُناقض المعنى الذي ذَكَره المتكلِّم ضرورةً، وتارةً يغلب على ظنِّه غلبةً قريبةً (١) من الضَّرورة، وتارةً يحصل له ذلك ظنًّا، وتارةً لا يفهم مراده، وتارةً يشتبه عليه المراد بغيره.

وهذا القطع والظنُّ والشكُّ له أسبابٌ غير الأمور التي ذكروها، فقد يكون سبب الاحتمال كون السَّامع لم يألف ذلك اللفظ في لغة قومه، أو أن له


(١) «ب»: «عليه قرينة». وهو تصحيف، والمثبت هو الصواب، فالمصنف يتكلم عن مراتب العلم: اليقين، فغلبة الظن، فالظن.