للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالضَّرورة مع علمهم بصدقه امتنع عندهم أن يكون في نفس الأمر معارِضٌ يُنافي مراده.

وقد قال أبو عبد الرحمن السُّلَميُّ من كبار التَّابعين: «حدَّثنا الذين كانوا يُقرئوننا القرآن ـ عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهم ـ أنهم كانوا إذا تعلَّموا من النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات لم [ب ٨٢ ب] يتجاوزوها حتى يتعلَّموا ما فيها من العلم، قالوا: فتعلَّمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا» (١).

وكان يَمكُث أحدُهم في السُّورة مدَّةً حتى يَتعلَّمها، وقد أقام ابن عمر على تعلُّم سورة البقرة ثمانيَ سنين (٢)، وقال أنس: «كان الرَّجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جلَّ في أعيُننا» (٣).

ولم يتوقف معرفة مراد الله ورسوله من كلامه عندهم على شيءٍ من تلك الأمور العشرة، ولا تابعي التَّابعين، ولا أئمة الفقه المتبوعين، ولا أئمة الحديث، ولا أئمة التفسير، حتى نبغت قُلْف الأذهان (٤) عُجْم القلوب فزعموا أنهم لا يحصل اليقين بمراده إلَّا بعد هذه الأمور، ثم قالوا: ولا سبيل


(١) أخرجه الإمام أحمد في «المسند» (٢٣٩٦٥) وابن أبي شيبة في «المصنف» (٣٠٥٤٩) والطبري في «تفسيره» (١/ ٧٤).
(٢) ذكره مالك في «الموطأ» (٢٣٨) بلاغًا، ووصله ابن سعد في «الطبقات» (٤/ ١٥٣) بلفظ: «في أربع سنين».
(٣) أخرجه أبو داود الطيالسي في «المسند» (٢١٣٢) وأحمد في «المسند» (١٢٢١٥، ١٢٢١٦) وابن حبان (٧٤٤) وأصله في البخاري (٣٦١٧) ومسلم (٢٧٨١).
(٤) يقال: هو أقلف القلب: لا يعي خيرًا، وقلوب غُلْف: قُلْف. «أساس البلاغة» (٢/ ٩٨) و «لسان العرب» (٩/ ٢٩١).