للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فوق العالم أمرٌ مستقرٌّ في فِطَر العباد، معلومٌ لهم بالضرورة، كما اتفق عليه جميع الأمم من غير تواطؤ وتشاعر، بخلاف النفي والتعطيل؛ فإنه يتلقاه بعضهم عن بعضٍ كسائر المقالات الباطلة، المخالفة لصريح العقل والنقل.

فصل

وممَّا ينصر (١) ذلك أن العباد كلهم مضطرون إلى دعاء الربِّ سبحانه وسؤاله وقصده والافتقار إليه، كما قال الله تعالى: {يَسْئَلُهُ مَن فِي اِلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: ٢٧] وهم مضطرون إلى توجيه قلوبهم إلى العلو، كما أنهم مضطرون إلى دعائه وقصده وسؤاله، كما أنهم يضطرون إلى الإقرار به، وأنه ربُّهم وخالقهم ومليكهم، ولا يجدون فرقًا بين هذا الاضطرار وهذا. فكما لا تتوجه قلوبهم إلى ربٍّ غيره ولا إلى إلهٍ سواه، فكذلك لا يجدون في قلوبهم توجهًا إلى جهة أخرى غير العلو، بل يجدون قلوبهم مضطرةً إلى قصد جهة العلو دون سائر الجهات، وهذا يتضمن اضطرارهم إلى قصده سبحانه في العلو، وإقرارهم وإيمانهم بذلك.

فصل

الطريق الثالث (٢): أنه قد ثبت بصريح العقل أن الأمرين المتقابلين إذا


(١) «ح»: «ينصرف». ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) «ح»: «الرابع». ولم يذكر الطريق الثالث، ومشى الناسخ على ذلك إلى آخر الطريق الحادي والثلاثين، وممكن يُصحح صنيعه بأن يُعدَّ الفصل السابق هو الطريق الثالث، لكن يأبى ذلك أن المصنِّف قال عقب تعداد هذه الطرق: «فهذه ثلاثون طريقًا». فلم أجد بدًّا من تصحيح كل أرقام الطرق من الثالث إلى الثلاثين. وهذا هو الوجه الخمسون بعد المائة.