للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالانقياد إليها، وعلم أن نسبة العلوم التي نالها الناس بأفكارهم إليها (١) دون نسبة علوم الصبيان ومعارفهم إلى علوم هؤلاء بما لا يُدرك.

فصل

السبب الخامس: الإغراب على النفوس بما لم تكن عارفةً به من المعاني الغريبة (٢) التي إذا ظفر الذِّهن بإدراكها نالَه لذةٌ من جنس لذة الظفَر بالصيد الوحشي الذي لم يكن يطمع فيه. وهذا شأن النفوس، فإنها مُوكَلة بكل غريبٍ تستحسنه وتُؤثِره وتنافس فيه، حتى إذا كثر ورخص وناله المثري (٣) والمقلُّ زهدت فيه وأعرضت عنه (٤)، مع كونه أنفعَ لها وخيرًا لها، ولكن لرخصه وكثرة الشركاء فيه تَزْهد (٥) فيه وتطلب ما تتميز به عن غيرها للَّذة التفرد والاختصاص.

ثم اختاروا لتلك المعاني الغريبة ألفاظًا أغرب منها وألقَوْها في مسامع الناس، وقالوا: إن المعارف العقلية والعلوم اليقينية تحتها؛ فتحركت النفوس لطلب فَهْم تلك الألفاظ الغريبة وإدراك تلك المعاني. واتفقَ أن صادفت قلوبًا خالية من حقائق الإيمان وما بعث اللهُ به رسولَه، فتمكَّنت منها، فعزَّ على أطباء الأديان استنقاذها منها وقد تحكمت فيها، كما قيل (٦):


(١) «وعلم أن نسبة العلوم التي نالها الناس بأفكارهم إليها». سقط من «ب».
(٢) من قوله: «الإغراب». إلى هنا ليس في «ح».
(٣) المثري: كثير المال.
(٤) «وأعرضت عنه» ليس في «ح».
(٥) «ح»: «يزهد».
(٦) البيت من قصيدة لظافر الحداد في «ديوانه» (ص ١٢٧)، ورواية «الديوان»:
تاللهِ ما علقتْ محاسنُكَ امرءًا ... إلَّا وَعَزَّ على الورى استنقاذُهُ

وأنشده له ياقوت الحموي في «معجم الأدباء» (٤/ ١٤٦٤) وغيره، وأنشده المصنف في «إغاثة اللهفان» (٢/ ٨٧٩):
تاللهِ ما أسرتْ لواحظُك امرءًا ... إلَّا وَعَزَّ على الورى استنقاذُهُ