للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم تذعن (١) إلى الإيمان؛ فقد سلبتم العقول خاصتها، وقلبتم الحقيقة التي خلقها الله وفَطَرَها عليه، وكان نفس ما ذكرتم أن الرُّسل لو خاطبت به النَّاس لنفروا عن الإيمان من أعظم الحجج عليكم، وأنه مخالف للعقل والفطرة كما هو مخالف للسمع والوحي [ق ٨٠ أ]. فتأمل هذا الوجه فإنه كافٍ في إبطال قولهم.

ولهذا إذا أراد أهله (٢) أن يدعوا النَّاس إليه ويقبلوه منهم وطَّؤوا له توطئات (٣)، وقدَّموا له مقدمات، بنوها في القلب درجةً بعد درجةٍ، ولا يُصرِّحون به أولًا، حتى إذا أحكموا ذلك البناء استعاروا له ألفاظًا مزخرفةً، واستعاروا لما خالفه ألفاظًا شنيعةً، فتجتمع تلك المقدمات التي قدموها، وتلك الألفاظ التي زخرفوها، وتلك الشناعات التي على من خالفهم (٤) شنعوها، فهنالك إن لم يُمسِك الإيمانَ مَن يمسك السماوات والأرض أن تزولا وإلَّا (٥) تَرَحَّل عن القلب ترحُّل الغيث استدبرته الريح، يوضحه:

الوجه التَّاسع والتسعون: أنَّا نعرض على الفطر السليمة والعقول التي لم


(١) «ح»: «تدعي». والمثبت من «م».
(٢) أي: أهل التأويل.
(٣) «ح»: «تاطوله موطيات». والمثبت من «م».
(٤) «ح»: «ما خالفه». والمثبت من «م».
(٥) لا يصح المعنى إلا بحذف «وإلا»، وهو تركيب شائع في كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من ذلك العصر، والمعنى: إن لم يمسك الله الإيمانَ ترحل الإيمانُ.