للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه السادس والعشرون بعد المائة: أن السمع حجة الله على خلقه، وكذلك العقل. فهو سبحانه أقام عليهم حجته بما ركَّب فيهم من العقل، وبما أنزل إليهم من السمع. والعقل الصريح لا يتناقض في نفسه، كما أن السمع الصحيح لا يتناقض في نفسه، وكذلك العقل مع السمع. فحجج الله وبيناته لا تتناقض ولا تتعارض، ولكن تتوافق وتتعاضد. وأنت لا تجد سمعًا صحيحًا عارضه معقولٌ مقبولٌ عند كافة العقلاء أو أكثرهم، ولا تجده ما دام الحق حقًّا والباطل باطلًا، بل العقل الصريح يدفع المعقول المعارض للسمع الصحيح، ويشهد ببطلانه. وهذا يظهر بالامتحان في كل مسألةٍ عُورض فيها السمع بالمعقول، ونحن نذكر من ذلك مثالًا واحدًا يُعلم به ما عداه.

فنقول: قالت الفرقة الجامعة بين التجهم ونفي القدر، معطلة الصِّفات المكذِّبة بالقدر: صِدْقُ الرَّسول موقوفٌ على قيام المعجزة الدالة على صدقه، وقيام المعجزة موقوف على العلم بأن الله لا يُؤيِّد الكذاب بالمعجزة، والعلم بذلك موقوفٌ على العلم (١) بقبحه، وعلى أن الله لا يفعل القبيح، وتنزيهُه عن فعل القبيح موقوفٌ على العلم بأنه غنيٌّ عنه عالمٌ بقبحه، والغنيُّ عن القبيح العالمُ بقبحه لا يفعله، وغناه عنه موقوفٌ على أنه ليس بجسمٍ، وكونُه ليس بجسمٍ موقوفٌ على عدم قيام الأعراض والحوادث به، وهي الصِّفات والأفعال، ونفي ذلك موقوف على ما دل على حدوث الأجسام، والذي دلنا على حدوث الأجسام أنها لا تخلو عن الحوادث، وما لا يخلو عن الحوادث لا يسبقها، وما لا يسبق الحوادث فهو حادث.


(١) «ح»: «الصحة». والمثبت من «م».