للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والنار. وهذا قول شيخهم جهم.

وكلهم أنكروا أشرف ما في الجنة، وأجلَّ نعيمها، وأفضله على الإطلاق ـ الذي ما طابت الجنة إلَّا به ـ وهو النظر إلى وجه الربِّ تبارك وتعالى من فوقهم، وسماع كلامه، وتسليمه عليهم، وخطابه لهم، بل هذا حقيقة الجنة، ورأس نعيمها؛ فنفوه وكذبوا به، وأثبتوا أكلًا وشربًا وجماعًا، ثم قالوا بنفاده وانقطاعه.

وهذا باب إذا تتبعه (١) من يعلم ما عند القوم وما جاءت به الرُّسل ويعتبر هذا بهذا يجد أقوالهم مشتقة من أقوال أعداء الرسل.

فَإِلَّا يَكُنْهَا أَوْ تَكُنْهُ فَإنَّهُ ... أَخُوهَا غَذَتْهُ أُمُّهُ بِلِبَانِهَا (٢)

الوجه التاسع والعشرون بعد المائة: أن الكلام في الدِّين نوعان: أمرٌ وخبرٌ، فما عارض الأمر كان من باب الهوى الذي يأمر به الشيطان (٣) والنفس، وما عارض الخبر كان من باب الظنِّ والخرص الذي هو أكذب الحديث. وهؤلاء لا تجدهم إلَّا وقد جمعوا بين الأمرين، فهم في الإرادات تابعون لأهوائهم، وفي الاعتقادات تابعون لظنونهم. قال الله: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا اَلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى اَلْأَنفُسُ وَلَقَد جَّاءَهُم مِّن رَّبِّهِمِ اِلْهُدى} [النجم: ٢٣].

وقال تعالى: {كَاَلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاَسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاَسْتَمْتَعْتُم بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اَسْتَمْتَعَ اَلَّذِينَ مِن قَبْلِكُم


(١) «ح»: «تتبعته». والمثبت هو الصواب.
(٢) البيت لأبي الأسود الدؤلي، وقد سبق تخريجه.
(٣) «ح»: «السلطان». والمثبت هو الصواب.