للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتأمَّل موافقة الجهمية لفرعون ـ خصم موسى وعدوه ـ فإنه أنكر الصانع، وهؤلاء وافقوه على إنكار صفاته، وأقروا بصانعٍ لا صفة له، ولا فعل. ولهذا قال بعض الأئمة: كان فرعون أعقل من هؤلاء، فإنهم اشتركوا في مخالفة صريح العقل، وتناقضت الجهمية، فقالوا: هو صانع للعالم من غير صنعٍ يقوم به، ولا وصف، ولا مباينة للعالم، ولا دخول فيه. وجحد فرعون أن يكون الله فوق سماواته على عرشه، وكذَّب موسى في ذلك، ووافقته الجهمية على هذا النفي. وبهذا احتج عليهم الأشعري في كتبه كلها (١) والقاضي أبو بكر (٢) وأبو عمر بن عبد البر (٣)، وجمهور أئمة السُّنَّة (٤).

وأنكر فرعون أن يكون الله كلَّم موسى، ووافقه الجهمية على ذلك.

وأنكر أعداء الرُّسل من المشركين عُبَّاد الأصنام والكواكب والفلاسفة وغيرهم معاد الأبدان، وخراب العالم، وحقيقة الجنة والنار. ووافقهم ابن سينا وأتباعه على ذلك. وأخذ الجهمية بعض هذا الإنكار فقالوا: تفنى الجنة


(١) ينظر «الإبانة» (ص ١٠٦).
(٢) الباقلاني، لم أقف على احتجاجه بذلك فيما عندي من كتبه وهي قليلة.
(٣) ينظر: «التمهيد» (٧/ ١٣٣) و «الاستذكار» (٨/ ١٥٠).
(٤) ينظر: «تفسير الطبري» (٢٠/ ٣٢٧) و «التوحيد» لابن خزيمة (١/ ٢٦٤) و «رسالة في إثبات الاستواء والفوقية» لأبي محمد الجويني (ص ٣٣) و «الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار» للعمراني (٢/ ٦١٠) و «إثبات صفة العلو» لابن قدامة (ص ٦٥) و «النصيحة في صفات الرب جل وعلا» لابن شيخ الحزاميين (ص ١٢) و «الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد» لابن العطار (ص ١٧٩) و «العرش» للذهبي (٢/ ٣٧٨).