للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات: ٢٣].

وأمَّا أن ذلك من أعظم نِعَم الله على عباده؛ فلأن الإنسان إنما يُميَّز عن سائر الحيوان بكمال هذه القوة وتمامها فيه، واقتداره منها على ما لم يقتدر عليه الحيوانات العُجْم.

ولذلك عدَّد ذلك مِن نعمه على عباده في جملة ما أنعم به عليهم، فقال: {اِلرَّحْمَنُ عَلَّمَ اَلْقُرْآنَ (١) خَلَقَ اَلْإِنسَانَ عَلَّمَهُ اُلْبَيَانَ} [الرحمن: ١ - ٢] وقال: {اِقْرَأْ وَرَبُّكَ اَلْأَكْرَمُ (٣) اُلَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ اَلْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [اقرأ: ٣ - ٥] وقال: {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْنَاهُ اُلنَّجْدَيْنِ} [البلد: ٨ - ١٠]. فإنكارُ حصول العلم واليقين من كلام المتكلم قدحٌ في أعظم آيات الله، وجحدٌ لما هو من أعظم نِعَمه.

وكنَّا نظن أن قائل ذلك أراد أن بعض الأدلة اللفظية لا تفيد العلم واليقين حتى رأيناه قد صرَّح بأن شيئًا منها لا يُفيد اليقين البتةَ، ولا قَدْحَ في آياته ولا جَحْدَ لنِعَمه أبلغ من ذلك.

الوجه التَّاسع والستون: أن هذا القول الذي قاله أصحاب القانون لم يُعرف عن طائفةٍ من طوائف بني آدم، لا طوائف المسلمين ولا اليهود ولا النصارى ولا أحد من أهل الملل (١)، ولا طوائف الأطِبَّاء ولا النُّحاة ولا أهل اللغة ولا أهل المعاني والبيان ولا غيرهم قبل هؤلاء. وذلك لظهور العلم بفساده، فإنه يقدح فيما هو أظهر العلوم الضرورية لجميع الخلق، فإن بني آدم يتخاطبون ويكلِّم بعضهم بعضًا مخاطبةً ومكاتبةً، وقد أنطق الله سبحانه


(١) «ح»: «الملك». والمثبت من «م».