للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معانيها وتدبُّرها والتفكر فيها. فأولئك جعلوها عُرضة للتأويل والتحريف، كما جعلها أصحاب التخييل أمثالًا لا حقيقة لها.

وقابلهم الصنف الرابع، وهم أصحاب التشبيه والتمثيل، ففهموا منها مثل (١) ما للمخلوقين، وظنوا أنْ لا حقيقةَ لها سوى ذلك، وقالوا: مُحال أن يخاطبنا اللهُ سبحانه بما لا نعقله، ثم يقول: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة: ٧٢] {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: ٢١٧] {لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: ٢٨]، ونظائر ذلك. وهؤلاء هم المشبِّهة (٢).

فهذه الفِرَق لا تزال تُبدِّع بعضُهم بعضًا وتضلِّله وتجهِّله، وقد تصادمت كما ترى، فَهُمْ كزُمرة من العميان تلاقوا فتصادموا، كما قال أعمى البصر والبصيرة (٣) منهم (٤):

وَنَظِيرِي فِي الْعِلْمِ مِثْلِيَ أَعْمَى ... فَتَرَانَا فِي حِنْدِسٍ نَتَصَادَمْ

وهدى الله أصحابَ سواء السبيل للطريقة المُثلى، فلم يتلوثوا بشيءٍ من أوضار (٥) هذه الفرق وأدناسها (٦)، وأثبتوا لله حقائق الأسماء والصفات، ونفَوْا عنها مماثلة المخلوقات، فكان (٧) مذهبهم [ق ٢٣ أ] مذهبًا بين مذهبين


(١) «مثل» ليس في «ح».
(٢) «ح»: «المثبتة».
(٣) «ح»: «البصيرة والبصر».
(٤) يعني: أبا العلاء المعري، وقد تقدم البيت (ص ١٤٥).
(٥) «ح»: «أوصاف».
(٦) «ح»: «أديانها».
(٧) «ح»: «وكان».