للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأهل الحديث متَّفقون على أحاديث الصَّحيحين، وإن تنازعوا في أحاديث يسيرة منها جدًّا، وهم متَّفقون على لفظها ومعناها، كما اتفق المسلمون على لفظ القرآن ومعناه، وهذا ممَّا ينفرد به (١) بعلمه الخاصة، وهم القليل من النَّاس، وهم مع ذلك يعلمون بالاضطرار بطلانَ تأويل القرآن والحديث بما يتأوَّله به الفلاسفة والقرامطة والجهمية، ويعلمون أنه خلاف مراد الرَّسول بالضَّرورة، فكيف ما اشتركت الأُمَّة عامَّتُها وخاصَّتُها في نقله قرنًا بعد قرنٍ، فكيف لا يعرفون مراد الرَّسول منه يقينًا؟!

فإن الأُمَّة كلها تَنقُل عمَّن قبلها، ومَن قبلها عمَّن قبلها، حتى ينتهي الأمر إلى الرَّسول: أن الله يرى ويسمع، ويتكلَّم ويعلم، وأنه فوق السَّماوات السَّبع على العرش، وأنه يُرى يوم القيامة جهرةً؛ وعِلْمُ الأُمة بمراد الرَّسول من ذلك فوق عِلْمِهم بمراده من أحاديث الشُّفعة والرِّبا والحيض والفرائض ونحوها، فكيف يُقال: حصل لهم اليقين بمراده من ذلك دون هذا، وهل هذا إلَّا من أقبح المكابرة؟!

الوجه الثَّاني والعشرون: أن يُقال: من المعلوم بالضَّرورة أن المخاطبِين أوَّلًا بالقرآن والسُّنَّة لم يتوقف حصول اليقين لهم بمراده على تلك المقدِّمات العشرة التي ذكروها، ولا على شيءٍ منها. أمَّا عصمة رواة اللغة فإنهم خُوطبوا شِفاهًا، فلم يحتاجوا إلى واسطةٍ في نقل الكلام، فضلًا عن واسطة في نقل اللغة، ولا إلى قاعدةٍ يَنفُون بها نفيَ احتمالِ اللفظ لغير المعنى الذي قصده المتكلِّم، فإنهم عَلِموا مراده بالضَّرورة، وإذا كانوا عالِمين بمراده


(١) كذا، ولعلها زائدة.