للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الثالث (١)

في أنَّ التأويل إخبارٌ عن مراد المتكلم لا إنشاءٌ

فهذا (٢) الموضع ممَّا يغلط فيه كثيرٌ من الناس غلطًا قبيحًا، فإن المقصود فَهْمُ مراد المتكلم بكلامه، فإذا قيل معنى اللفظ كذا وكذا، كان إخبارًا بالذي عَنَاه المتكلم، فإن لم يكن هذا الخبرُ مطابقًا كان كذبًا على المتكلم.

ويُعْرَف مراد المتكلِّم بطرقٍ متعددةٍ:

منها: أن يُصرِّح بإرادة ذلك المعنى.

ومنها: أن يستعمل اللفظَ الذي له معنًى ظاهر بالوضع، ولا تبيَّن (٣) بقرينة تصحب الكلامَ أنه لم يُردْ ذلك المعنى.

فكيف إذا حفَّ بكلامه ما يدل على أنه إنما أراد حقيقتَه وما وُضِعَ له، كقوله: {وَكَلَّمَ اَللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: ١٦٣]. و «إِنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ فِي (٤) الظَّهِيرَةِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ» (٥). و «اللهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ بِأَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلَكَةٍ (٦)، عَلَيْهَا طَعَامُهُ


(١) «ح»: «الثاني».
(٢) «ب»: «هذا».
(٣) كذا في النسختين.
(٤) «في» ليس في «ب».
(٥) متفق عليه، وقد تقدم تخريجه.
(٦) أمَّا دوية فاتفق العلماء على أنها بفتح الدال وتشديد الواو والياء جميعًا، والدوية: الأرض القفر والفلاة الخالية، وأمَّا المهلكة فهي بفتح الميم وبفتح اللام وكسرها، وهي موضع خوف الهلاك. «شرح صحيح مسلم» للنووي (١٧/ ٦١).