للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن العجب اعتراف أرباب هذا القانون بهذا، وجوابهم عنه بجواب أهل الإلحاد، وهو أن المخاطبين لم يكونوا يفهمون الحقائق، فضُربت لهم الأمثال من غير أن يكون المخبَر ثابتًا في نفس الأمر، فراجِعْ كُتُبَ القوم تجِدْ ذلك فيها.

الوجه الرَّابع والستون: أن أصحاب هذا القانون في قولٍ مختلفٍ، يُؤفك عنه من أُفك! فتارةً يقولون: نحن نعلم انتفاء الظَّاهر قطعًا، وأنه غير المراد، وإن كُنَّا لا نعلم عين المراد. وتارةً يقولون: بل الرَّسول خاطَبَ الخلق خطابًا جمهوريًّا يوافق ما عندهم وما أَلِفُوه، ولو خاطبهم بإثبات موجود لا داخل العالم ولا خارجه، ولا يتكلم ولا يُكلِّم، ولا يُرى عيانًا، ولا يُشار إليه= لقالوا هذه صفات معدومٍ لا موجود، فوقعوا في التعطيل، فكان الأصلح أن يأتي بألفاظ دالة على ما يناسب ما نحلوه وأَلِفُوه، فيخلصهم من التعطيل.

فكيف يُجمَع هذا القولُ وقولهم: إن الظَّاهر غير مراد؟ فإن كان قد أراد منهم الظَّاهر بطل قولهم: إن الظَّاهر غير مراد. وإن أراد منهم التأويل يبطل قولهم (١): إنه قَصَدَ خِطابَهم بما يُخيل إليهم ويتمكنون معه من إثبات الصَّانع، ويتخلصون به من التعطيل. فأيُّ تناقضٍ أشدُّ من هذا؟! فإن أراد الظَّاهر فقد أراد عندكم إفهام الباطل الذي دلَّ عليه لفظه، وإن لم يُرد الظَّاهر بل أراد منهم التأويل لم يحصل الغرض الذي ذكرتموه ولم يَخلُصوا (٢) من التعطيل، وهذا لا حيلة لكم في دَفْعه.


(١) «ح»: «قولكم».
(٢) «ح»: «تخلصوا». والمثبت هو الصواب؛ لأن الضمير يعود إلى من خاطبهم الرسول.