للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنه لا طريق لنا إلى العلم بصحة الأدلة السمعية في باب الإيمان بالله وأسمائه وصفاته البتة؛ لتوقفها على انتفاء ما لا طريق لنا إلى العلم بانتفائه، وأن الاستدلال بكلام الله ورسوله في ذلك فضلة لا يُحتاج إليها، بل هي مستغنًى عنها إذا كان موافقًا للعقل.

فتأمَّل هذا البنيان الذي بنوه، والأصل الذي أصَّلوه، هل في قواعد الإلحاد أعظم هدمًا منه لقواعد الدِّين، وأشد مناقضةً منه لوحي ربِّ العالمين؟! وبطلان هذا الأصل معلوم بالاضطرار من دين جميع الرُّسل، وعند جميع أهل الملل.

وهذه الوجوه المتقدمة التي ذكرناها هي قليلٌ من كثيرٍ ممَّا يدل على بطلانه. ومقصودنا من ذكره اعترافهم به بألسنتهم لا بإلزامنا لهم به. وتمام إبطاله أن نُبيِّن (١) فساد كل مقدمة من مقدمات الدليل الذي عارضوا به النقل وأنها مخالفة للعقل كما هي مناقضة للوحي، والله يعلم أنَّا عازمون على ذلك وبيانه على التفصيل في جميع أدلتهم إن ساعد التوفيق. ويجب على كل مؤمنٍ بالله ورسوله أن يعتقد ذلك جملةً، وإن لم يُحط (٢) به تفصيلًا، ولا يضع قدمه في أول درجة من درجات الإيمان إلَّا بذلك. والمقصود أن مناقضة هذا الأصل الإيمان بالله ورسوله كمناقضة أحد الضدَّين للآخر، وبالله التوفيق.

الوجه الثالث والعشرون بعد المائة: أن يقال: كل ما أخبر به الرسول عن الله سبحانه إثباتًا ونفيًا فهو واجب عليه وممتنع عليه، أو ما أثبته له فهو كمالٌ،


(١) «ح»: «يتبين». والمثبت من «م».
(٢) «ح»: «يحيط».