للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للطوائف، فإنه كفيل بذلك على أتمِّ الوجوه لمن تأمَّله وتدبَّره ورُزق فهمًا فيه، وحُججه مع أنها في أعلى مراتب الحُجج ـ وهي طريقة أخرى غير طريقة المتكلمين وأرباب الجدل والمعقولات ـ فهي أقرب شيءٍ تناولًا وأوضح دلالةً، وأقوى برهانًا، وأبعد من كل شبهةٍ وتشكيك.

وأمَّا طريق المتكلمين وأرباب الجدل فهي كما قال الخبير بها (١):

حُجَجٌ تَهَافَتُ كَالزُّجَاجِ تَخَالُهَا ... حَقًّا وَكُلٌّ كَاسِرٌ مَكْسُورُ

وأَخصُّ أوصافها أنها تعطيك مناقضة الخصوم واضطراب أقوالهم، وأمَّا أن تعطيك علمًا وهدًى

فَإِذَا بَعَثْتَ إِلَى السِّبَاخِ بِرَائِدٍ ... تَبْغِي الرِّيَاضَ فَقَدْ ظَلَمْتَ الرَّائِدَا (٢)

وإذا كان هذا حالها وهي خيرٌ من طريق الفلاسفة وأقرب إلى الحقِّ، فكيف يُعارض الوحي بهذه الطرق وهذه، ثم تقدم عليه؟!

الوجه السابع (٣) والأربعون بعد المائة: أن الله سبحانه منح عباده فطرة فطرهم عليها، لا تقبل سوى الحقِّ، ولا تُؤْثر عليه غيره لو تُركت (٤)، وأيَّدها


(١) البيت لابن الرومي في «ديوانه» (ص ٣٠٣)، وروايته:
لذوي الجدال إذا غدوا لجدالهم ... حجج تضلّ عن الهدى وتجور
وُهُنٌ كآنية الزّجاج تصادمت ... فهوت، وكلّ كاسر مكسور
(٢) البيت لابن سنان الخفاجي، وهو في «ديوانه» (ص ١٥٩).
(٣) «ح»: «التاسع». وكتب الناسخ على حاشية «ح»: «كذا وجدتها». والمثبت هو الصواب.
(٤) «ح»: «تريث».