للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا خبر العقل عن الله بما يُضاد ذلك بأن الله وضع فيه ذلك وعلَّمه إيَّاه فلم يشهد له الرَّسول بصحة هذا الخبر، بل شهد ببطلانه، فليس معه إلَّا شهادته لنفسه بأنه صادقٌ فيما أخبر به، فكيف يقبل شهادته لنفسه مع عدم شهادة الرَّسول له، فكيف مع تكذيبه إيَّاه، فكيف مع تكذيب العقل الصريح المؤيَّد بنور الوحي له، فكيف مع تهاتُر أصحابه وتكاذبهم وتناقضهم؟! يزيده إيضاحًا:

الوجه الثَّالث والخمسون: وهو أن الأدلة السمعية نوعان:

نوعٌ دلَّ بطريق التنبيه والإرشاد على الدليل العقلي: فهو عقليٌّ سمعيٌّ، ومِن هذا غالب أدلة النبوة والمعاد والصفات والتوحيد، وما لا يقوم التنبيه على الدليل العقلي منه فهو (١) اليسير جدًّا منه (٢). وإذا تدبَّرت القرآن رأيت هذا أغلب النوعين عليه، وهذا النوع يمتنع أن يقوم دليلٌ صحيحٌ على معارضته؛ لاستلزامه مدلوله، وانتقالُ الذهن فيه من الدليل إلى المدلول ضروريٌّ.

وهو أصل للنوع الثَّاني: الدَّال بمجرد الخبر.

فالقدح في النوعين بالعقل ممتنعٌ بالضرورة، أمَّا الأول فلِما تقدم، وأمَّا الثَّاني فلاستلزام القدح فيه القدح في العقل الذي أثبته، وإذا بطل العقل الذي أثبت السمع بطل ما عارضه من العقليات، كما تقدم تقريره (٣). يوضحه:


(١) «ح»: «ما تقدَّم التنبيه على». والمثبت من «م».
(٢) تقدم (ص ٤٧٠).
(٣) ينظر ما تقدم (ص ٤٧٠ - ٤٧١).