للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم سَرَتْ معارضتهم [ق ٦١ أ] في المنتسبين إلى الرُّسل، فتقاسموها تقاسُم الوارث لتركة موروثهم، فكل طائفةٍ كان الوحي على خلاف مذهبهم وقول من قلَّدوه (١) لجؤوا إلى هذه المعارضة، واعتصموا بها دون نصوص الوحي، ومعلومٌ أن هذا يناقض الإيمان بالنبوة، وإن تناقَضَ القائل به. فغايته أن يثبت كون النبي رسولًا للعمليات دون العِلميات، أو في بعض العِلميات التي أخبر بها دون البعض. وهذا أسوأ حالًا ممَّن جعله رسولًا إلى بعض النَّاس دون بعض، فإن القائل بهذا يجعله رسولًا في العِلميات والعمليات، ولا يعارض بين خبره وبين العقل، وإن تناقض في جحده عموم رسالته بالنسبة إلى كل مكلفٍ. فهذا جَحَدَ عموم رسالته إلى المدعوين، وذاك جحد عموم رسالته في المدعو إليه المخبر به، ولم يؤمن في الحقيقة برسالته لا هذا ولا هذا. فإنه يُقال لهذا: إن كان رسولَ الله إلى هؤلاءحقًّا فهو رسوله إلى الآخرين قطعًا؛ لأنه أخبر بذلك، ومن ضرورة تصديقه الإيمان بعموم رسالته. ويقال للآخر: إن (٢) كان رسولَ الله في العمليات وأنها حقٌّ من عند الله فهو رسوله في العِلميات (٣)، فإنه أخبر عنه بهذا وهذا.

الوجه الثَّامن والخمسون: أن أمر النُّبوة وما يُخبر به الرَّسول عن الله هو طَوْرٌ آخر وراء مدارك الحسِّ والعقل والخيال والوهم والمنام والكشف، والعقل معزولٌ عمَّا يُدرك بنور النبوة وطُرق الوحي، كعزل السمع عن إدراك الألوان (٤)،


(١) «ح»: «قلده».
(٢) «إن» سقط من «ح». وأثبته من «م».
(٣) «ح»: «العمليات». والمثبت من «م».
(٤) «ح»: «الأكوان».