للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه الأنواع الأربعة المذمومة موجودة في هؤلاء المعرضين عن نصوص الوحي، المعارضين لها بآرائهم وعقولهم وأهوائهم، فإنهم تارةً يكتمون الأحاديث والآيات المخالفة لأقوالهم، ومنهم طوائف تضع أحاديث على وَفْق مذاهبهم وأهوائهم في الأصول والفروع، ويقولون هذا من عند الله، وتارةً يضعون كُتبًا بآرائهم وعقولهم وأذواقهم وخيالاتهم، ويدَّعون أنها دين [الله] (١) الذي يجب اتباعه، ويقدمونها على نصوص الوحي.

وأمَّا تحريفهم للنصوص بأنواع التأويلات الفاسدة التي يُحرِّفون بها الكلم عن مواضعه فأكثر وأشهر من أن تُذكر، كتأويلات القرامطة والباطنية والفلاسفة والرَّافضة والجهمية والقدرية.

وأمَّا التخييل فكثيرٌ منهم يُصرِّحون بأن الرُّسل قصدت من النصوص إفهام خلاف الحقِّ للمصلحة الجمهورية.

وأمَّا التجهيل فكثيرٌ منهم يصرِّح بأن هذه النصوص لا معنى لها، وإنما هي ألفاظٌ مجردةٌ. ومَن أحسنَ منهم وأجملَ يقول: لها معانٍ استأثر الله بعلمها، ولم يجعل لنا سبيلًا إلى العلم بها.

وأكثر هذه الطوائف لا يعرف الحديث ولا يسمعه، وكثيرٌ منهم لا يُصدِّق به إذا طرقَ سمعه، ثم إذا صدَّقوا به فإن تحريفهم له وإعراضهم عن معانيه أعظم من تحريف القرآن والإعراض عنه. ولهذا يُقرُّ بعض هؤلاء بما في القرآن من الصِّفات دون ما في الحديث وحده.

الوجه الخامس والثمانون: أن المعارضين للوحي بآرائهم خمس طوائف:


(١) سقط من «ح» لفظ الجلالة، وأثبته من «درء التعارض» (٥/ ٢٢٦).