للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى محبته، وأمروا الناس من توحيده وعبادته وحده لا شريك له بما إذا فعلوه أحبهم عليه.

فجاءت النُّفاة المعارضون للوحي بعقولهم وآرائهم، فوقفوا في طريق الرُّسل، وأتوا بما يضاد دعوتهم، فنفوا صفاته التي تعرَّف بها إلى عباده، وجعلوا إثباتها تجسيمًا وتشبيهًا، ووصفوه من السلوب والنفي بما حال بين القلوب وبين معرفته، وأكدوا ذلك بأنه لا يُحِبُّ ولا يُحّبُّ، ولا له وجه يراه العابدون المحبون له يوم القيامة، فضلًا عن أن يحصل لهم لذة هناك بالنظر إليه، ولا يكلمهم ولا يخاطبهم، ولا يُسَلِّم عليهم من فوقهم. فلما استقر هذا النفي في قلوبهم تعلقت بغيره من أصناف المحبوبات؛ فأشركت به في المحبة ولا بد، وكان أعظم الأسباب الحاملة لها على الشرك هو التعطيل. فانظر إلى تلازم الشرك والتعطيل وتصادقهما، وكونهما

رَضِيعَيْ لِبَانٍ ثَدْيَ أُمٍّ تَقَاسَمَا ... بِأَسْحَمَ دَاجٍ عَوْضُ لَا نَتَفَرَّقُ (١)

الوجه الرابع والثمانون بعد المائة: أن هؤلاء المعطلة النُّفاة المعارضين (٢) للوحي بآرائهم ومعقولاتهم من الظانِّين بالله وكتابه ورسوله ظنَّ السوء، ولم يجئ في القرآن وعيدٌ أعظم من (٣) وعيد من ظنَّ به ظنَّ السوء. قال تعالى: {لِّيُدْخِلَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَاَلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا اَلْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّآتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اَللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (٥) وَيُعَذِّبَ اَلْمُنَافِقِينَ وَاَلْمُنَافِقَاتِ وَاَلْمُشْرِكِينَ وَاَلْمُشْرِكَاتِ اِلظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ اَلسَّوْءِ


(١) البيت للأعشى في «ديوانه»، وقد تقدم (ص ١٥٩).
(٢) «ح»: «المعارضون».
(٣) «من» ليس في «ح».