للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحسرات، ولا يكاد يسيغها، ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميتٍ! وهذا أمرٌ لا يُصدِّق به إلَّا من باشر قلبه هذا وهذا.

وإذا كانت الروح مفطورة على تأله فاطرها وخالقها، وهي فقيرة إليه أعظم الافتقار من جهة كونه ربها وخالقها وممسكها وحافظها ومغذيها وطبيبها ومداويها، ومن جهة كونه إلهها ومحبوبها ومطلوبها وغاية مناها، فهي إلى معرفة هذا المطلوب ومعرفة كماله وجماله وأوصاف جلاله أشد شيءٍ ضرورة، وكلما كانت معرفتها بذلك أوفر (١) كانت محبتها له أقوى، ما لم (٢) يَعُقْها عائقٌ ويمنعها مانعٌ من مرضٍ تتعطل به، أو تضعف عن نهوضها بالجدِّ في طلب هذا المحبوب.

وهذا العائق شيئان:

إمَّا جهلٌ بهذا المطلوب وكونه لم تَقْدُره (٣) حقَّ قدره، ولم تهتد من معرفة كماله وجماله وجلاله إلى ما يدعوها إلى طلبه وإيثاره على غيره.

وإمَّا فسادٌ في إرادتها لمَّا تعلقت بغيره وآثرته عليه، ففسدت فطرتها التي فُطرت عليها، فانتقلت بفسادها عنه إلى غيره.

وهذه مقدِّماتٌ فطريةٌ ضروريةٌ لا ينازع فيها سليم العقل والفطرة. وإذا عرف هذا فالرُّسل جاؤوا بكمال الأمرين على أتم الوجوه، فإنهم ذكروا من صفات هذا الربِّ الذي تألهه القلوب وتطمئن إليه الأرواح ما يكون داعيًا


(١) «ح»: «معرفته بذلك أمر». ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) «ح»: «مما».
(٣) «ح»: «يقدره».