للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الحادي والعشرون

في الأسباب الجالبة (١) للتأويل

وهي أربعة أسباب: اثنان من المتكلم، واثنان من السامع. فالسببان اللذان من المتكلم: إمَّا نقصان بيانه، وإمَّا سوء قَصْده. واللذان من السامع: إمَّا سوء فهمه، وإمَّا سوءُ قَصْده. فإذا انتفت هذه الأمور الأربعة انتفى التأويل الباطل، وإذا وُجدت أو بعضها وقَعَ التأويل.

فنقول وبالله التوفيق: لمَّا كان المقصودُ من التخاطب التقاءَ قصْدِ المتكلم وفَهْم المخاطب على محزٍّ (٢) واحدٍ، كان أصحَّ الأفهام وأسعد الناس بالخطاب ما التقى فيه فهْمُ السامع ومرادُ المتكلم. وهذا هو حقيقة الفقه الذي أثنى اللهُ ورسوله به على أهله وذمَّ مَن فقَدَه، فقال تعالى: {وَلَكِنَّ اَلْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون: ٧]، وقال: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ اِلْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: ٧٧]. وقال في الثناء على أهله: {قَدْ فَصَّلْنَا اَلْأيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} [الأنعام: ٩٩]. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» (٣). وقال لزياد بن لبيد: «إِنْ كُنْتُ لَأعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ المَدِينَةِ» (٤).


(١) «الجالبة» سقط من «ح».
(٢) المحز: موضع الحز، أي: القطع. «تاج العروس» (١٥/ ١١٠).
(٣) أخرج البخاري (٧١) ومسلم (١٠٣٧) عن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما -.
(٤) أخرجه الترمذي في «الجامع» (٢٦٥٣) والحاكم في «المستدرك» (١/ ٩٩) عن أبي الدرداء - رضي الله عنه -، وقال الترمذي: «حديث حسن غريب». وقال الحاكم: «هذا إسناد صحيح من حديث البصريين».