للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالفقه فهمُ مقصود المتكلم من كلامه، وهذا أمرٌ (١) زائدٌ على مجرد الفهم.

فإذا كان المتكلم قد وفَّى البيانَ حقَّه وقصَدَ إفهامَ المخاطَب وإيضاحَ المعنى له وإحضارَه في ذهنه [ق ٢٩ ب]، فوافَقَ مِن المخاطب معرفةً بلغة المتكلم وعُرفه المطَّرِد في خطابه، وعَلِمَ مِن كمال نصحِه أنه لا يقصد بخطابه التعميةَ والإلغاز، لم يخفَ عليه معنى كلامه، ولم يقع في قلبه شكٌّ في معرفة مراده.

وإن كان المتكلمُ قد قصَّر في بيانه، وخاطَبَ السامع بألفاظ مجمَلة تحتمل عدةَ معانٍ، ولم يبيِّن له ما أراده منها؛ فإن كان عاجزًا عن ذلك أُتي السامعُ مِن عجزِه لا مِن قصده، وإن كان قادرًا عليه ولم يفعله حيث ينبغي فِعله أُتي السامعُ مِن سُوء قصده.

وقد يحسن ذلك من المتكلم إذا كان في التعمية على المخاطب مصلحةٌ راجحةٌ، فيتكلم بالمجمل لِيجعلَ (٢) لنفسه سبيلًا إلى تفسيره بما يتخلص به، أو ليُوهِم السامع أنه أراد ما لا (٣) يخاف إفهامَه إياه، أو لغير ذلك من الأسباب التي يحسن معها التعريضُ والكناية والخطاب بضدِّ البيان، وهذا من خاصة العقل. وقد قال تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ اِلنِّسَاءِ} [البقرة: ٢٣٣]. وفي الحديث: «إِنَّ فِي المَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنِ الكَذِبِ» (٤).

وقد عرَّضَ


(١) «ح»: «الأمر».
(٢) «ح»: «لتعجل».
(٣) «لا»: ليس في «ح».
(٤) أخرجه ابن الأعرابي في «المعجم» (٩٩٣) وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (٣٢٧) وأبو الشيخ في «الأمثال» (٢٣٠) والبيهقي في «السنن الكبرى» (١٠/ ١٩٩) عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - مرفوعًا.
وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (٨٥٧) والطبراني في «المعجم الكبير» (١٨/ ١٠٦) والبيهقي في «السنن الكبرى» (١٠/ ١٩٩) عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - موقوفًا، وقال البيهقي: «هذا هو الصحيح موقوف».

وفي الباب عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - مرفوعًا وموقوفًا، يُنظر: «المقاصد الحسنة» للسخاوي (٢٢٧).