للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الرابع عشر: لِمَ قلتَ بأن كل ما يحبه الربُّ سبحانه ويرضاه ويفرح به يمكن وجوده في وقتٍ واحدٍ? فإن ذلك قد يستلزم الجمع بين النقيضين، فإن الحوادث المتعاقبة يستحيل اجتماعها في آنٍ واحدٍ، فإذا كان يحب ما يمتنع حصوله كله في آنٍ واحدٍ كانت محبته ورضاه وفرحه به متعلقًا به وقت وجوده، وحصوله ووجوده قبل ذلك محالٌ، والمحال لا تتعلق به المحبة والفرح. يوضحه:

الوجه الخامس عشر: أنه سبحانه إذا كان يحب أمورًا، وتلك الأمور المحبوبة لها لوازم يمتنع وجودها بدونها كان وجود تلك الأمور مستلزمًا للوازمها التي لا تُوجد بدونها. مثاله: محبته للعفو والمغفرة والتوبة، وهذه المحبوبات تستلزم وجود ما يعفو عنه ويغفره ويتوب إليه العبد منه، ووجود الملزوم بدون لازمه محالٌ، فلا يمكن حصول محبوباته سبحانه من التوبة والمغفرة والعفو بدون الذي يُتاب منه ويغفره ويعفو عن صاحبه.

ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» (١). وهذا هو الذي وردت الأحاديث الصحيحة بالفرح به، وهذا المفروح به يمتنع وجوده قبل الذنب، فضلًا عن أن يكون قديمًا، فهذا المفروح به يجب تأخُّره قطعًا. ومثل هذا ما رُوي أن آدم لمَّا رأى بنيه ورأى تفاوتهم قال: «يا ربِّ هلَّا سويت بين عبادك؟ قال: إني أحببتُ أن أُشكَر» (٢). ومعلومٌ أن محبته للشكر على ما فضَّل به


(١) أخرجه مسلم (٢٧٤٩) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه عبد الله بن أحمد في «زيادات المسند» (٢١٦٣٣) والفريابي في «القدر» (٥٢) والآجري في «الشريعة» (٤٣٥) والحاكم في «المستدرك» (٢/ ٣٥٣) والبيهقي في «القضاء والقدر» (٦٦) والضياء في «المختارة» (٣/ ٣٢٤) عن أُبي بن كعب - رضي الله عنه - موقوفًا. وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه». وقال الهيثمي في «المجمع» (٧/ ٢٥): «رواه عبد الله بن أحمد عن شيخه محمد بن يعقوب الربالي وهو مستور، وبقية رجاله رجال الصحيح».